وربما أصاب الرجلُ الشيء وهو غير راج له، كما أصاب الرجل الذي بلغني أنه كانت به حاجة شديدةٌ وخَلَّةٌ ظاهرةً، وفاقةٌ وعُري، فغدا يطلب من معارفه وشكا إليهم، وسألهم ثوبًا يلبسه، وجَهد فلم يُصِب شيئًا، ورجع إلى منزله وهو آيس؛ فبينما هو نائم على فراشه إذا بسارق قد دخل عليه في منزله، فلما رآه الرجل قال: ما في منزلي شيء يستطيع هذا السارق أن يسرقه، فليصنع ما يشاء، وليُجهد نفسه، وإنَّ السارق دار في البيت وطلب فلم يجد شيئًا يأخذه، فغاظه ذلك، وقال في نفسه: ما أرى ههنا شيئًا، وما أحب أن يذهب عنائي باطلاً، فانطلق إلى خابية فيها شيء من بُرّ، فقال: ما أجد بُدّاً من أخذ هذا البرِّ إذ لم أجد غيره، فبسط ملحفة كانت عليه، وصب ذلك البر فيها، فلما بصُر به الرجل قد جعل البُرَّ في الملحفة، وهو يريد أن ينطلق بها قال: ليس على هذا صبر، يذهبُ البُرُّ ويجتمع عليَّ أمران: الجوع والعُري، ولن يجتمعا على أحدٍ إلا أهلكاه، فصاح بالسارق فهرب من البيت وترك الملحفة، فأخذها صاحب المنزل فلبسها وأعاد البر إلى مكانه، فليس ينبغي لأحدٍ أن ييأس، ولا يطلب ما لا يُنال، ولكن لا يدع جهدًا في الطلب على معرفة، فإنَّ الفضل والرزق يأتيان من لا يطلبهما، ولكن إذا نَظَر في ذلك وجد من طلب وأصاب أكثر ممن أصاب بغير طلب، ولم يكن حقيقاً أن يقتدي بذلك الواحد الذي أصاب من غير طلب، ولكن يقتدي بالكثير الذين طلبوا فأصابوا. 💙
-كليلة ودمنة لابن المُقفّع.