من نوادر العرب في فنِّ التلميح والذَّكاء:
يُحكى أن رجلًا مرَّ على جسر بغدادَ فمرّتْ فتاةٌ جليلةٌ، فأبصرَها فتًى كان جالسًا فقال:
رحِم الله علي بن الجهم، فقالت الفتاة:
ورحم الله أبا العلاء، وانصرفتْ.
فعجِبَ الرَّجل مما سمعهُ من الفتى والفتاة، فتوجَّه إلى الفتى وأقسم له إن لم يوضح له الأمرَ لَيَشكوَنَّه إلى رجالِ الشُرَطِ، فقال:
إني قلتُ رحم الله علي بن الجهم أقصد قوله في قصيدةٍ له يقول فيها:
عيونُ المها بين الرُّصَافةِ والجِسرِ
جَلبْنَ الهوَى من حيثُ أدري ولا أدْري
فردَّت هي مُتَرحِّمةً على أبي العلاء المعري، فأدركتُ أنها فهمت قصدي، وأنها تعني بيتَ شعرٍ لأبي العلاء يقول فيه:
أيَا دارَها بالخَيْفِِ إنَّ مَزارَها
قريبٌ ولكنْ دونَ ذلك أهْوالُ
يقول الرجلُ: فانصرفْتُ وأنا لا أدري لأيِّ شيءٍ أكون أكثرَ عَجَبًا، أمِن ذكاءِ الفتَى؟ أم من لَماحيةِ الفتاةِ وحُسْنِ حفظِها. أم من غفلتي وجهلي وعدم حفظي.