وقفة عند حديثٍ لرسولِ اللهِ عن منزلةِ أهلِ بيتِهِ.. ودلالةِ تركيزِهِ على منزلةِ "فاطمة"
:
❂ يقولُ جابرُ الأنصاري في حديثٍ له مع رسولِ الله:
(يا رسولَ الله، فما تقولُ في عليِّ بن أبي طالب؟ قال: ذاك نفسي، قال جابر: فما تقولُ في الحسنِ والحسين؟ قال: هما رُوحي وفاطمةُ أُمُّهما ابنتي، يسوؤني ما ساءها ويسرُّني ما سرّها، أُشهِدُ اللهَ أنّي حربٌ لِمَن حاربهم، سِلْمٌ لِمَن سالمهم،
يا جابر إذا أردتَ أن تدعوَ اللهَ فيستجيبُ لك فادعُهُ بأسمائهم، فإنّها أحبُّ الأسماءِ إلى اللهِ عزّ وجلّ)
[البحار: ج37]
〰〰〰〰〰[توضيحات]
لاحظوا أنّ جابر لم يذكر الزهراء هنا.. لأنّ الذهنَ ينسبِقُ إلى الرجال، وجابرُ رجل، لذا كان سؤالُهُ فقط عن سيّدِ الأوصياء وعن الحسنين،
ولكنّ رسولَ اللهِ في جوابِهِ لجابر ذكرَ فاطِمةَ وأضاف لها هذه الخُصوصيّة؛ بأن قال: (يسوؤني ما ساءها ويسرُّني ما سرّها)
يُريدُ أن يقول لجابر: بأنّ الميزانَ هو فاطمة
صحيح أنّ الأئمةَ جميعاً؛ عليٌّ وفاطمةُ وأبناءُ عليٍّ وفاطمة كُلّهم نورٌ واحدٌ وحقيقةٌ واحدة،
ولكنّ رسولَ اللهِ خصَّ الزهراء هنا بقولِهِ:
(يسوؤني ما ساءها ويسرُّني ما سرّها)
لأنّه يُريدُ أن يُشيرَ إلى قيمومةِ فاطِمة،
فالزهراءُ هي القيّمةُ على الدينِ وأهلِ الدين، كما يقولُ إمامُنا الباقرُ في معنى قولِهِ تعالى: {وذلك دينُ القيّمة} قال: (هي فاطِمةُ "عليها السلام")
[تأويل الآيات]
الزهراءُ هي أمُّ أبيها.. وأبوها هو أوسعُ وعاءٍ في هذا الوجود،
فإذا كانت الزهراءُ هي أمٌّ لهذا الوعاءِ المُحمّديِّ الأعظم.. فمِن بابٍ أولى أن تكونَ أُمّاً لسائرِ الأوعية،
فهي أُمُّ القرآن، وأُمُّ الإسلام، وأُمُّ الإيمان، وأُمُّ التوحيد، وأُمُّ الحقيقة، وأُمُّ الكائنات،
ولذا ورد في أحاديثِ العترة أنّ السماواتِ والأرض (التي هي عنوانٌ للوجود) خُلِقت مِن نُورِ فاطمة،
وهذا هو معنى الأُمومة،
فالأمُّ في لغةِ العرب هي الأصل،
الأم؛ هي المنبعُ وهي البداية
فالزهراءُ هي القيّمةُ علينا وعلى ديننا،
فهي الّتي تُطهِّرنا وتُطهِّرُ عقيدتَنا وتُطهِّر دينَنا وعبادتَنا، وتُطهِّر عقولَنا، وتُطهِّر مودّتَنا لأهلِ البيتِ كما نقرأ في زيارتِها:
(فإنّا نسألكِ إن كنّا صدّقناكِ إلّا ألحقتِنا بتصديقِنا لهما لنُبشِّرَ أنفُسنا بأنّا قد طهُرنا بولايتِكِ)
بل إنّ ولايةَ الزهراء ليست فقط على هذا الدين، وإنّما لها القيمومةُ ولها الولايةُ المُطلقةُ على هذا الوجود، كما يقولُ إمامُنا الباقر:
(ولقد كانت "عليها السلام" مفروضةَ الطاعةِ على جميع مَن خلق اللهُ مِن الجنِّ والإنسِ والطيرِ والوحشِ والأنبياءِ والملائكة)
[دلائل الإمامة]
• قولُ رسولِ الله: (إذا أردتَ أن تدعوَ اللهَ فيستجيبَ لك فادعُه بأسمائهم)
لاحظوا أنّ النبيَّ لم يقل: توسّل إليه بأسمائهم، وإنّما قال: (ادعُهُ بأسمائهم) أي؛ نادِ اللهَ بأسمائهم، لأنّهم هم الأسماءُ الحسنى، كما يقولُ إمامُنا الصادق في قولِهِ تعالى: {وللهِ الأسماءُ الحسنى فادعوهُ بها} قال:
(نحنُ واللهِ الأسماءُ الحُسنى الّتي لا يقبلُ اللهُ مِن العِبادِ عملاً إِلّا بمعرفتِنا)
[الكافي: ج1]
هذه هي الأسماءُ الحسنى الّتي نتوجّهُ إليها ونتوجّهُ بها ونرتبطُ بها ونعودُ إليها،
فحين تُنادي: يا علي، فإنّك تقولُ يا الله،
وبالمِثل حينما نقرأُ في أدعيةِ الفرج: (يا محمّدُ يا عليُّ، يا عليُّ يا محمّدُ اكفياني فإنّكما كافيان، وانصراني فإنّكما ناصران)
أو حين نُنادي في صلاةِ الاستغاثةِ بالزهراء: (يا مولاتي يا فاطمةُ أغيثيني)
أو حين نتوجّهُ لإمام زمانِنا ونقول: (يا صاحب الزمان أدركني ولا تُهلكني)
أو حين نتوجّهُ لسيّدِ الأوصياء ونقول: (يا أبا الغيثِ أغثني)
هذا التوجّهُ إليهم "صلواتُ اللهِ عليهم" هو في حقيقتِهِ توجّهٌ لله تعالى.. لأنّ اللهَ هو الّذي أمرنا أن نتوجّهَ إليهم لأنّهم وجهُهُ الكريم، كما نقرأ في دعاء النُدبة: (أين وجهُ اللهِ الّذي إليه يتوجّهُ الأولياء)
صحيح أنّ قولَ الرواية: (فادعُهُ بأسمائهم) قد يشتملُ على معنى التوسُّلِ بأهلِ البيت، وهو معنىً صحيح،
لكنّ الروايةَ لا تقصدُ هذا، وإنّما تُريد أن تقول بأنّ التوجّهَ يكونُ إليهم (وهو المعنى الأعمق) لأنّهم وجهُ اللهِ المُتقلّب بين أظهُرنا
وفي تعابيرِ الّلغةِ فإنّ الوجهَ أعلى رُتبةً مِن الإسم،
فالوجهُ أكثرُ تعريفاً بصاحبِهِ مِن الإسم،
نعم في مقامِ الحقيقةِ وجهُ اللهِ واسمُهُ شيءٌ واحد.. وحقيقةُ الوجهِ والإسم هم "صلواتُ اللهِ عليهم"
ولكنّ في مقام التعبيرِ الّلفظي فالوجهُ أعلى رُتبةً مِن الإسم، وأكثرُ تعريفاً بصاحبِهِ مِن الإسم،
فأنت قد تعرفُ شخصاً مِن خلال اسمِهِ.. ولكنّ معرفتَك له مِن خلال وجهِهِ تكونُ أدقُّ وأعمق،
فحين نُخاطِبُ إمامَ زمانِنا: (أين وجهُ اللهِ الّذي إليه يتوجّهُ الأولياء)
فهذا المعنى أعمقُ في الجانبِ التعبيري والتراتبيّةِ الّلفظيّة مِن كونِهِ اسماً للهِ تعالى
➖➖➖➖➖➖