*وسائل التواصل*
*بين الثقافة والتفاهة!!*
*للشيخ/ عبدالمحسن القاضي*
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌
*الخطبة الأولى:*
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
عباد الله: نظر الله زمن الجاهلية لأهلِ الأرض -كما في الحديث- فمقتهم، عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب؛ لشركٍ كانوا عليه، وتفاهاتٍ، وإضاعةٍ للقيم، فجاءَ الإسلامُ لينهضَ بالأمةِ كلِّها ديناً وتوحيداً، وليُتمِّم مكارمَ الأخلاق، بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلِّه، يحث على معالي الأمور بقرآنٍ كريمٍ، ومنهجٍ نبويٍّ سليم، ربَّى -صلى الله عليه وسلم- عليه صحابتَه فاستطاعوا -بتوفيق الله سبحانه- في عشر سنوات تحريرَ العربِ من الشرك، ووضع قيمٍ وأخلاقٍ جذبت مَنْ حولها ليقتدوا بها، بل غلبت حضاراتٍ كالروم وفارس اجتاحتها بقيم الإسلام وبمعالي الأمور، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، وقدّموا للعالمِ حضارةً وعِلْماً استوعب الناسَ أجمعين، بقواعدَ تُصلحُهم، وترفعُ هِّمتَهم، وتزكو بهم.
لكن الخطرَ نزل بضعفِ الهمم العالية، لتتخلف الأمة بتفاهاتٍ غالبة، ليس بسبب الجهل؛ فالأميّةُ قلّت، ووسائلُ الإعلام والتواصل انتشرت، العالمُ تقارب وتواصل، الثقافةُ وطلبُ العلم بالتقنية سهلت، غابت أميّةُ القَلَمِ لكنَّ أميةَ العقل حَضَرت، وُجد الجهل رغم أن المدارسَ والجامعات انتشرت!.
فالتوحيدُ الذي جاء الإسلام به وبُعث الرسل لأجله ابتعد بعض الأمة عنه، انشغلوا بتقديس أشخاص، وأشركوا مع الله آلهةً أخرى، وربما ألحد بعضهم وهم متعلمون. الأخلاقُ ضعفت اليوم في أوساط المسلمين، بل العالمُ يحتضرُ أخلاقيّاً بغيابِ قيم العدلِ والأمانةِ والحق والوفاءِ التي ضعفت وتشوهت بانتشار التوافه والغثاء، أمةٌ مصابةٌ بالخلاف بينها، وضياع أوطاننا وإراقة الدماء، بل تعيشُ تفاهةً في وسائل التواصل شوهاء.
بناءُ الأسرة اهتز بالانشغال بهذه الوسائل ومكانةُ الوالدين ضعفت، والبر بهما أصبح غريباً، والعقوق مشتهراً، تماسك المجتمع وتكاتفه تخلخل، والخلاف انتشر، والجرأةُ على بعض القيم والمحرمات في تلك الوسائل صار مستعِراً، تسارعٌ لخصومةٍ وافتراق، وإفساد لأجلِ تفاهاتٍ سياسية فتتحولُ بلدانهم إلى خراب.
العالمُ اليوم يُدار بطريقة عجيبة! فشرذمةٌ من يهودٍ متسلطين سيطروا على بلدٍ مقدسٍ للمسلمين، اسمها فلسطين، به يتحكمون، الحقوق كلها تتجمَّع عندهم وتقامُ لأجلهم، بينما حقوق المسلمين غائبة، من لاجئين ومحرومين ومظلومين، والعالم بمنظماته لا يهتم، يدّعون نهضةً بالعالم ويساهمون في تدميره وليس في توجيهه، هذا في الدول!.
أما الأفراد منا فيعيشون لهواً وغفلةً مُسيطرةً، حتى المسلمين الذين دينهم ينيرُ عقولَهم ويرفع همتهم كغيرهم تأثروا بثقافةٍ تافهةٍ غالبةٍ أصبحت طاغية، فسقطت الهممُ العالية بما لا يرقى بفكرٍ ولا عقلٍ ولا علمٍ، حتى وصلنا لزمن سيادة التفاهة وثقافتها المنتشرة.
إن وسائل التواصل أظهرت بتنوعها من واتس وتويتر وسناب شات وفيسبوك وغيرها مما لا نعرفه أو نتابعه، ساهمت بشكلٍ كبيرٍ في إظهار سلبياتٍ عندنا -شئنا أم أبينا- سرقت أوقاتنا وكشفت عن ضعفٍ في الخُلق والقيمِ، وبيّنت ثقافةً تافهةً يتابعها كثيرون منا بمشاهداتٍ هائلة لتوافه، لا يُضيِّعون بها أوقاتهم فحسب، بل يتابعون ضياعَ أوقات غيرهم وسخافاتهم، وترف الأغنياء ومباهاتهم، سبحان الله! ومن يطالع المعروضَ بهذه الوسائل يكتشفُ عاجلاً كيف نساهم بتشويه مجتمعاتنا بنشر ذلك ومتابعته!.