View in Telegram
كنا نُذهَل من وصول الحرب لليوم ال100 ونقول ربما تنتهي قريبًا، لن نتحمّل أكثر من ذلك، ماذا بقي؟ لقد سحقوا المدينة، وغيّروا ملامحها، وتعب الناس، وفقد الجميعُ أحبابَهم وبيوتهم، وصارت الحياة صعبة جدًّا، ولا توصف، ومررنا بأهوال كأنها القيامة، في منتصف الليل، تُضاء السماء بالقنابل، ويصير لونها برتقاليًّا مع كل قصف، والرعد خفيف على الأذن مقارنة بصوت الانفجارات، والاهتزازات عنيفة كأنها زلازل، تتحرك بك الأرض، ويهوي السقف، وتُظلِم الدنيا.. إن حيَاة الإنسان الطبيعي الجيّدة في غزة، يصحو باكرًا جدًّا كي يقف على طابور الماء الطويل، وينقل قالوناته لمسافات الله أعلم بها، وهذا الحِمل ثقيل جدا حتى على الشباب، فالأجساد مُنهَكة، والطعام المتوفر يكاد يسدّ الجوع، ولا يلبّي حاجة الجسم للغذاء الحقيقي والمعادن والفيتامينات، وبعد ذلك عليه أن يبحث عن حطب، أو يقوم بتكسير الحطب لديه كي يناسب مَوقد النار، ثم عليه أن يبحث عن ماء صالح للشرب، ثمّ طابور الخبز، ولكلّ شخص همومه ومشاكله ومسؤولياته التي يذهب فيها ما تبقى من اليوم، وهذا سرد مُبسَّط دون تخيّل كواليس كل ذلك، مثل المشاكل على طابور الماء أو الخبز وغيره، والقصف حوله، أو نبأ استشهاد قريبه أو صديقه، وربما نجا من الموت بأعجوبة، أو توغّل مفاجئ للاحتلال لمنطقتهم، وهنا أسوأ ما في الحرب، وهو النزوح، وقد تسقط دمعة مؤجلة وأنت تسير في الطرق الوعِرة، وعلى جنب الطريق قبور، بعدما كانت هذه الشوارع عامرة بالحياة وزاخرة بكلّ ألوان البهجة والبساطة. نحن الآن في اليوم ال380 تقريبا، هل تعي ما أقول؟ أم تقرأ بعينيك فقط؟ أكثر من عام، والموت المتكرر والقصف والدمار والنزوح والجوع والحصار وحياة الطوابير يعيشها المسلمون هنا في غزة، شمالًا وجنوبًا، وهذه الحرب ليست على حِزب بعينه، ولا فصيل، ولا مجموعة من الناس، إنها حرب وجوديّة ودينيّة بحتَة، راح فيها البشر والشجر والحجر، إبادة مُمَنهجة وواضحة، تدمير صُروح علمية ودينية وتاريخية، وقتل أصحاب مهِن، وقامات علميّة، وأدبيّة، وفنيّة، وطُهاة رائعون بأسرارهم، يُباد كُل صاحب فِكر، ومبدأ؛ كي لا تقوم لنا قائمة، فأين أنتَ أخي؟ ألسنا جسدًا واحدًا من أمّة الإسلام؟ هذا عام طويل، البعض مَلّ وسئم، وقد لا تكون هذه الدماء هنا إلا أخبار عابرة في يومه، وقد لا تصادفه حتى ولا يقرأ عنها، أعيذك أن تعتاد، أو تألف، فيقسو قلبك، ويصير الدم عندك كالماء. غيّبوا الدُّعاة، والمشايخ، والمفكّرين، ورأس مال النهضة بالأمة والشباب، ونحن بأمس ما نكون اليوم لكل صاحب عقل ودين وقلم ومِنبَر خير؛ كي يعي أن معركتنا مستمرة وبحاجة إليه، فأعدّ نفسك علميًّا وشرعيًّا وثقافيًّا كي تنهض بأمتنا، فإن متنا ووارانا الثرى، لا ينتهي الأمر، إيّاك، أنت أمَل الكثيرين، فالزَم ثغرَك ولا تبرَح، فالصراع مع الباطل طويل. إن شيئًا كثيرًا ما أرغب بقوله: كيف صبرنَا؟ كيفَ احتَملنَا؟ بالله، فقط بالله، بل إن ألوان الحياة وتفاصيلها قاتمة جدًّا، ولا يعزّينا إلا أن الله عادِل، ورحيم، ولن تذهب هذه البلاءات هباءً في ميزان الله، وسيقتصّ لنا اليوم أو غدًا من كل الذين ظلمونا، أو خذلونا، ومن سنة الله في الأرض أن يمحّص الذين آمنوا. في صدري الكثير، وقد لا أجيد ترتيب العبارات، أو صياغة الكلمات، لكن حسبي أن يصلك الشعور والرسالة التي أقصدها. أسأل الله أن يثبّتنا ويصبّرنا ويربط على قلوبنا، وأن يستخدمنا ولا يستبدلنا، وألا يقبضنا إلا وهو راضٍ عنا. مَحمُود عبداللّٰه 19 أكتوبر 2024م
Telegram Center
Telegram Center
Channel