قال الفضيل بن عياض: "ما من ليلة اختلط ظلامها، وأرخى الليل سربال سترها إلا نادى الجليل -جل جلاله-: مَن أعظم مني جودًا والخلائق لي عاصون وأنا لهم مراقب، أكلؤهم في مضاجعهم كأنهم لم يعصوني، وأتولى حفظهم كأنهم لم يذنبوا من بيني وبينهم، أجود بالفضل على العاصي، وأتفضل على المسيء، من ذا الذي دعاني فلم أسمع إليه، أو من ذا الذي سألني فلم أعطه؟ أم من ذا الذي أناخ ببابي ونحيته؟ أنا الفضل ومني الفضل، أنا الجواد ومني الجود، أنا الكريم ومني الكرم، ومن كرمي أن أغفر للعاصي بعد المعاصي، ومن كرمي أن أعطي التائب كأنه لم يعصني، فأين عني تهرب الخلائق؟ وأين عن بابي يتنحى العاصون؟".
يا بُني.. هذا الدين كي يصلَ إليك؛ ضُرِبَ وجه النَّبيﷺ، وضُرِبَ أبو بكرٍ في المَسجد الحرام بالنِّعال، ومُنعَ مصعب بن عمير مِن الطَّعام والشراب، وتَخَشَّفَ جلده تَخشف الحيَّة، وكان بلال بن رباح يُوضع في عُنقهِ حبل، ثم يُسلَّم للصبيان كي يجرّوه، ثمَّ يُضرب بالعصا، وعُذِّب خباب بن الأرت بالنَّار..
يا بُنيّ.. هذا دينٌ غالٍ، أتاكَ على أشْلاءِ ناسٍ؛ فلا تكنْ قاسي القلب، فتُفَرِّطَ فيه!
لمّا سُجن ابن تيمية رحمه الله وخلا بربّه أقبل على كتاب الله واستشعر ما أفاضه الله على قلبه فقال: «قد فتح اللهُ عليَّ في هذا الحصن هذه المرّة من معاني القرآن ومن أصول العلم بأشياءَ كان كثيرٌ من العلماء يتمنّونها، وندمتُ على تضييع أكثر أوقاتي في غير معاني القرآن!»