هنا في بلادِ السكارى بخمرِ الصُوَر نساءٌ تخافُ عليكم، فكونوا بخير
هنا الأمُّ إمّا تأخرَ عنها ٱبنُها تُراجعُ ما مرَّ في دفترِ الذكرياتِ، وتسعَ شهورٍ منَ الحملِ حتى المخاضِ، وتفتحُ في البالِ أرشيفَ أيامِهِ حبيبي غفا، حبيبي حَبا، حبيبي مشى تراجعُ ما كانَ منهُ، وتذكرُ أيامَ كانَ يعضُّ على ٱصبعِها لينبتَ مِن نيرةِ الطفلِ سنٌ وتذكرُ كم كان يهفو إذا الجوعُ داهمَهُ لتُرضِعَهُ ويمضي الشرودُ بها نحوَ أولِ يومٍ بكى لا يريدُ الذهابَ إلى المدرسة وتسترجعُ الأمسَ، ماذا يحبُّ، وما يكرَهُ، ولونَ الثيابِ المفضلِ، أينَ ينامُ، وكيفَ ينامُ، يديهِ، خطاهُ، وضحكتهُ وتدعو لهُ
هنا الأمهاتُ إذا ما ٱفتقدنَ غدَونَ كتاباً، دعاءً مجاباً، حجاباً فتنظرُ إحدى النساءِ إلى كفِّها، وتذكرُ تلك اليدينِ الصغيرة وتنظرُ أخرى إلى البابِ، كانَ حبيبي يُطِلُّ عليَّ وأُخرى توزِّعُ أفكارَها على عرسِهِ يومَ قامَ الرفاقُ إلى البابِ يستقبلونَ الجميلَ وكم كان أحلا منَ البدرِ مِن فوقِ أكتافِ صحبتِهِ
ثلاثُ نساءٍ يراجعنَ ماضي الأحبةِ حتى ختامِ الحديثِ "وكم كان أحلا منَ البدرِ مِن فوقِ أكتافِ صحبتِهِ يوم تشييعهِ" ...
هدوءٌ أخيرٌ تقولُ الصغيرةُ سِنّاً لقد كان عمري ولا عُمرَ مِن بعدِهِ
تقولُ الكبيرةُ آهٍ لقد ورِثَ الحبَّ عن جدِّهِ
تقولُ الأخيرةُ أشتاقُهُ فكم قلتُ كن يا حبيبي بخيرٍ.. وعِدني ولا يُخلِفُ الإبنُ وعداً، ولكن مضى ولم يبقَ إبني على وعدِهِ
هنا في بلادِ السكارى بخمرِ الصُوَر نساءٌ تخافُ عليكم، فكونوا بخير
لمّا كان ينقال "السلوقي" أو "الحجير" كان ينقال "الإستشهادي" ، النزلة اللي بدها رجال، بدها ركاب، وكان ينقال "هونيك الغلَبة للي بيسبق"، المطرح اللي بتعمل قوات النخبة من العدو ألف حساب قبل ما تنزل عليه، وإذا نزلت بيكون ناطرها ربيع مرزوق، رضوان دوغا، وغيرهم، بيكون ناطرها حسين يونس وجمال شحيمي، بيكون ناطرها أهل الأرض، شباب بيعرفوا قيمتها وبتعنيلهم، شباب بيعتبروها عرضهم وشرفهم وبتستوجب التضحية، شباب أوفياء، باعوا جماجمهم ونزلوا بأبسط العتاد ومسمروا جيش بأرضه، فشخة لإدام ما فيه يقرب، شباب أقسموا يمين ما بيرجعوا إلا بإحدى الحسنيين.
عقيدتهم بإنو إسرائيل عدو، عقيدة للتطبيق الفعلي مش حكي بالتم ولا شعار ولا نشيد، السلوقي بيعرفهم، الحجير بيعرفهم، والأشراف بهالبلد بيعرفوهم، أرواحهم الطاهرة رح تضل حاضرة من تحت دوبيه لمفرق الجسر، لأول الليمون، للبيوت المتروكة بقرى الشريط، لورقة مكتوب عليها سامحونا أكلنا من الزيتونات..