View in Telegram
يحلو لكثير من الناس اتهام (النفس) بأنها العدو الأكبر للإنسان، وذلك لما يراه البعض من تقصيره وتهاونه أو إسرافه على نفسه في رمضان حين تصفد الشياطين، فيغالي في ذم النفس واتهامها حتى يقدِّم عداوتها على عداوة (الشيطان) مستدلا ببعض النصوص كقول الله عز وجل: (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) وقوله تعالى: (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ)، وتجري عملية الاستدلال تلك بمعزل عن بقية النصوص، فينتج عنها ذلك الحكم الخاطئ! لقد وُصف كيد الشيطان بالضعف في سياق مواجهة بين أولياء الله الذين آمنوا فهم يقاتلون في سبيل الله، وأولياء الشيطان الذين كفروا فهم يقاتلون في سبيل الطاغوت، فضعف كيد الشيطان وهنا إلى وحدة جماعة المؤمنين واعتصامهم وتحصنهم بركن الله العزيز وولائهم لربهم القوي المحيط، ضعيف إلى قدرة الله وتدبيره للمؤمنين وكيده بالكافرين. والنفس وإن جاء وصفها بالذم في كثير من النصوص والآثار، فإنها قابلة للترويض والتهذيب والتزكية، فقد أقسم الله تعالى بعدة من عظيم مخلوقاته وآياته على ذلك في سورة الشمس، ثم قال: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا). ومنها النفس اللوامة التي أقسم الله عز وجل بها، والنفس المطمئنة التي وعدها سبحانه بالرضوان والجنان. لقد أخبرنا الله عز وجل أن الشيطان هو عدونا الأول، فهو الذي أخرج أبوينا من الجنة: (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ...). وقد حذرنا الله عز وجل أن تحرمنا فتنة الشيطان من دخول الجنة كما أخرج أبوينا: (يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ...). والوحي زاخر بالنصوص التي تصرح بعداوة الشيطان للإنسان وتصف تلك العداوة بأوصاف بالغة التعبير تجلي صورة تلك العداوة بينهما على أنها معركة حربية طاحنة عظيمة الشراسة محتدمة غاية الاحتدام، معركة غابرة موغلة في القدم قد بدا أوارها منذ نفخ الله الروح في جسد أبينا آدم عليه السلام، أو ربما حتى من قبلها، معركة سرمدية حتى يُنفخ في الصور وتقوم الساعة. - أحب لكل مسلم أن يقرأ كتاب "عندما ترعى الذئاب الغنم" للشيخ رفاعي سرور رحمه الله تعالى. وليس أقل من أن يقرأ الفصل الأول من الجزء الأول (حوالي ١٠ صفحات فقط) وهو يصور ويصف العلاقة الحقيقية بين الإنسان والشيطان من نصوص القرآن والسنة تصويرا ووصفا جليًا بترتيب فريد بديع، ونلخص منه بشيء من التصرف والإضافة ذلك الوصف لصور العداء: (صورة قتالية) هذه صورة العداء القائم بيننا وبين إبليس، حرب لها كل صفات وتقاليد ووسائل الحرب المعروفة في واقعنا البشري: - فالشياطين جنود إبليس سواء كانوا من الجن أو الإنس، قال الله تعالى: (فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (*) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ).. (جنود إبليس). - علاقة هؤلاء الجنود من الشياطين بإبليس علاقة ولاء وطاعة، وهما أول الضرورات التنظيمية في أي حرب، قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا).. (أولياء الشيطان). - بهذا الولاء تكون الحزبية: (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ).. (حزب الشيطان). - لإبليس مركز قيادة بعيد عن واقع القتال: (إن إبليس يضع عرشه فوق الماء) ثم (يبعث سراياه) السرايا: تشكيل قتالي منتقى لهدف محدد: (فيفتنون الناس)، وهنا مبدأ الثواب والعقاب:(فأعظمهم عنده منزلة أعظمهم فتنة). - لإبليس آلة دعوة وإعلام وتوجيه تجذب إليه جنده وحزبه: (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ)، ويبعث جنده ويجهزهم بأسلحة وتشكيلات الجيوش المعروفة والتي منها: سلاح الفرسان وأدواتهم الخيل، وسلاح المشاة (وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ)، وبينه وبينهم شراكات قائمة لأجل تحقيق تلك الأهداف: (وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ ۚ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا). - ومن أدوات هذه الحرب: السهام. فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (النظرة سهم من سهام إبليس، يصيب بها قلب المؤمن). - هذه الحرب فيها الرايات التي هي من تقاليد سيادة الجيوش وأعراف النصر والهزيمة، إذ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من خارج يخرج - يعني من بيته - إلا ببابه رايتان: راية بيد ملك، وراية بيد شيطان، فإن خرج لما يحب الله عز وجل، اتبعه الملك برايته، فلم يزل تحت راية الملك حتى يرجع إلى بيته، وإن خرج لما يسخط الله، اتبعه الشيطان
Telegram Center
Telegram Center
Channel