مهما توارى الحلم في عيني وأرّقني الأجل، مازلتُ ألمح في رماد العمر شيئا من أمـَل .. فغدًا ستنبت في جبين الأفق نجمات جديدة وغدًا ستورق في ليالي الحزن أيام سعيدة.
لأني حاسة رح أنفجر، حاسة قلبي بدو ينفجر، جماعة حياتنا كأننا في مرطبان مكدوس هيك مكدسين فوق بعض
الشمال تقريباً تم تطهيره عرقياً بالكامل، والناس الباقيين كلهم قتل، مثلا بيت ٧٠ شخص متجمعين فيه، بيفجروهم بضربة وحدة، الناس محدش بحكي عنهم لأنه لا صحافة ولا اسعاف ولا حتى الناس قادرة تحكي عن حالها ..
مدينة غزة تقريباً تم تطهيرها ٧٠ بالمية رفح دمروها وطهروها وجرفوها ولغوا رفح القديمة ١٠٠٪
خان يونس منطقة كلها مدمرة، ٩٠ بالمية مدمرة والناس ال فيها هم على المواصي ال أصلا برضو شغالين ضرب فيهم ..
فكدّسونا كلنا في محافظة الوسطى ...
غير فكرة الحصار، انه انت محاصر من كل الجهات، جواً محاصر، من شمالك محاصر، من جنوبك محاصر، من البحر محاصر والك حدودك والا الزوارق بتقسمك نصين، يخي حتى أنك تطفش من البلد كمان محاصر، تستسلم وترضى بالواقع، حاصروك بالمجاعة، محاصر بالبشر والخيام من كل الجهات، محاصر بالفيران، محاصرينك بالزنانة ال بترحمش راسك ولا لحظة ...
يعني اشي في منتهى ال " طريقك مسدودٌ، مسدودٌ، مسدودٌ يا ولدي "
لطالما كان الإنسان يخاف المجهول. لكن أن تعيش المجهول كل يوم من أيام حياتك، وبكافة جوانبها، وبأبسط تفاصيلها وأدنى احتياجاتك، فهو أمر قد تعدَّى حدود الخوف. لا أستطيع أن أقول اليوم إننا كسوريين خائفون، فنحن لا نمثل القاعدة العامة للخوف من المجهول، لأننا كسرنا تلك القاعدة بتخطينا لحدود المجهول. نحن اليوم لم نعد على قيد الحياة كبقية البشر ولم تعُد قوانين البشر وقواعدهم تمثلنا. الأجدر بعلماء النفس أن يأتوا إلى هنا ليستحدثوا مدرسة جديدة لعلم النفس ويسمونها "البشريون السوريون".
"ولي بذمَّة هذه الأرض عمري!" إنها العبارة التي كتبتها كصلاة، وأرددها دوماً كل ليلة. "ولي بذمةَّ هذه الأرض عمري". فكيف أغفر لهذا العمر؟
كيف عسانا نشعر بالجدوى ونحن نرى أعمارنا تُسلب منا؟ ترى من الذي سيمنحنا محاولة أخرى في هذه الحياة؟
العيش هنا يشبه شعور طفل لم يتعلم المشي بعد، ولكن عليه الركض سريعاً لينجو. فنحن اليوم نسابق الزمن لننجو، ونركض بأقصى سرعتنا لنلحق بالحياة والتطور والتكنولوجيا وفرص العمل داخل الوطن وخارجه ولكن دون أن يعلمنا أحد كيف نفعلها. السوريون يحتاجون لعناقٍ كبير من العالم كله، لو أفضى السوريون عن مكنونات قلوبهم بالبكاء لأغرقوا العالم كله.
أعود بذاكرتي إليّ. كل تلك الأحلام التي شهدت عليها خلال سنوات حياتي، جميع الأشخاص العابرين منذ الطفولة وحتى الآن. حجم تلك الأحلام كان كفيلاً بأن يبني وينهض بالعالم كله وليس ببلد فقط. حجم تلك الطاقات وذلك الشغف والأمل والعزيمة كان كفيلاً بأن يجعل هذا البلد هو الأجمل في العالم. نحن نملك ثروة بشرية هائلة كأي أرض مثمرة؛ نملك نفطاً بشرياً لم يُستهلك سوى للموت، ليس للتدفئة ولا للإنارة، فقط للموت والبارود.
• ميري مخلوف - من مقال: | السوريون يحتاجون لعناق كبير من العالم |