"حين سمعناك وعاهدناك كنا عارفين ومتوقعين هالشي وأكثر فلا سألناك لو عندك مضادات للطائرات ولا لو عندك مكان تأوينا فيه قبل، ولا شارطناك كيف رح يكون شكل المقاومة في الميدان، ولا فكرنا متى وكيف وأين ستقصف وبماذا سترد لان للميدان سادته وقادته... عاهدناك لثقتنا وايماننا ويقيننا أنك باسم الله أدرى! واليوم نقول أكثر من أي وقت مضى "لبيك لبيك"!
حين نتأمل أوجاعنا نعرف أن أسوأ ما حدث لنا كان من الناس وأجمل ما حدث من الله وما زلنا نقترب من الناس ونبتعد عن الله ما زلنا نتدواى عند الناس وننسى أن الطبيب في السماء ما زلنا نسترزق عند الناس وننسى أن الرازق في السماء مازلنا نلوذ بالناس وننسى أن الحامي في السماء ما زلنا نسأل الناس وننسى أن المعطي في السماء دوماً يخذلنا الناس فمتى خذلنا الله ؟!
ما في حدا راح لربنا إلا ورجع مجبور الخاطر، ربنا عارف ضعفك وقلّة حيلتك وما رح يخذلك بس أنت سلم أمرك وتوكل عليه ورح يدهشك بعطاءه، واتذكر كم أزمة انت مريت فيها وفجأة لقيتها إنحلت وفُرِجت، وربنا عوضك عنها عوض ما كنت تتصوره، اطمن.
لم أكن أنتظر منكَ شيئًا ، كنتُ فقط أسير إليك، و لا أعلم إن كنت تتقبّل عملي أم لا؟ ولا أعلم هل بيّضت وجهي البلاءات التي مررت بها أم لا؟ على كلّ حال .. لم يكن يحرّكني في هذا العالم غير محبتك.
ما أدقَّ التعبير القرآني! يوم يشير إلى أن الحياة الدنيا يوم تُوزن بموازين الدنيا تبدو أمراً عظيماً هائلاً ضخماً، لكنها حين تُقاس وتوزن بموازين الآخرة تبدو شيئاً تافهاً زهيداً حقيراً، بل هو لعبة أطفال بالقياس إلى ما في الآخرة من جد تنتهي إليه المصائر بعد لعبة الحياة الدنيا، لعب ولهو وزينة وتفاخر وتكاثر، ثم تأتي الصورة القرآنية المبدعة لتصور الدنيا كزرع يعجب الزُّراع نباته، ينمو شيئاً فشيئاً حتى يكتمل، ثم يهيج، فتراه مصفراً جاهزاً للحصاد؛ فهو موقوت الأجل ينتهي عاجلاً، ويبلغ أجله قريباً، ثم يكون حُطاماً، وينتهي شريط الحياة بمشهد الحُطام، ويا لها من نهاية! مؤلمة.
لم يأخذ الجنوبيون مفاتيح بيوتهم معهم عندما غادروا، هم نادرا ما يقفلون أبوابهم. فهل للنهر باب؟ و هل لحقل التبغ باب؟ و هل للحاكورة باب؟ و هل للزيتونة باب؟ و هل للمصطبة باب؟ عندما يعودون سوف يفتحون عيونهم على مكان ربما قد تغيّر لكنه لا يزال يعرفهم. ستصطّف العصافير مزغردة مهللّة. إنهم أصحاب المكان. توارثوا أسماءهم و بساتينهم. يعرفون من أين تُشرق الشمس و متى تَغرب. يعرفون الينابيع و ماذا في قعرها. يعرفون أسماء الزهور و الاشجار و السناجب و اليمام.. إنهم أصحاب المكان. إنهم المكان.
فلتتكسَّر الأقلام ولتخشع البنادق هنا سجدت حروفنا لتكتبَ : نحن عملاء وحدة الكلمة في طائفتنا المباركة نحن عملاء وطننا الحبيب لبنان نحن عملاء الجنوب نحن عملاء أخلاق جبل عامل وعلم جيل عامل وشجاعة جبل عامل نحن عملاء الصبر والتحمل ونحن عملاء القضايا الكبرى نحن عملاء الأخوَّة الصادقة نحن عملاء العقل والقلب عمالتنا في ربوعنا الخضراء وسنابلنا الصفراء وكل الخير على بيادر الوطن..