وصية من ذهب!
حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عطاء ، حدثني أبي ، ثنا محمد بن مسلم ، ثنا سلمة بن شبيب ، ثنا مبارك أبو حماد - مولى إبراهيم بن سام - قال : سمعت سفيان الثوري ، يقرأ على علي بن الحسن السليمي : " يا أخي ، لا تغبط أهل الشهوات بشهواتهم ، ولا ما يتقلبون فيه من النعمة ، فإن أمامهم يوما تزل فيه الأقدام ، وترعد فيه الأجسام ، وتتغير فيه الألوان ، ويطول فيه القيام ، ويشتد فيه الحساب ، وتتطاير فيه القلوب حتى تبلغ الحناجر ، فيالها من ندامة على ما أصابوا من هذه الشهوات ، اجعل كسبك فيما يكون لك ، ولا تجعل كسبك فيما يكون عليك ، فإن الذي يقدم ماله ويعطي حق الله منه ، فماله له وأفضل منه ، والذي يخلف ماله ، ويضيع حق الله فيه فماله وبال عليه يوم القيامة ، اكسب حلالا ، واجلس مع من كسبه من حلال ، وكل طعام من كسبه من حلال ، وليكن أهل مشورتك من كسبه من حلال ، فإن الورع ملاك الدين واستكمال أمر الآخرة ، واعلم أنه يا أخي ، لا يمتنع أحد عن الحرام إلا من هو مشفق على لحمه ودمه ، فإنما دينك لحمك ودمك ، فاجتنب الحرام ، ولا تجلس مع من يكسب الحرام ، ولا تأكل مع من كسبه من حرام ، ولا تدل أحدا على الحرام ، ولا تشيرن به إلى أحد فيأخذه ، ولا تورثه إلى أحد ، وانصح لكل بر وفاجر أن لا يأخذه ، فإن فعلت من ذلك شيئا ، فأنت عون له ، والعون شريك ، وإياك والظلم ، وأن تكون عونا للظالم ، وأن تصحبه ، أو تؤاكله أو تبتسم في وجهه ، أو تنال منه شيئا فتكون عونا له ، والعون شريك ، لا تخالفن أهل التقوى ، ولا تخادن أهل الخطايا ، ولا تجالس أهل المعاصي ، واجتنب المحارم كلها ، واتق أهلها ، وإياك والأهواء ، فإن أولها وآخرها باطل ، ولكل ذنب توبة ، وترك الذنب أيسر من طلب التوبة ، وإن الله غفور رحيم لأهل المعاصي ، رحيم للتوابين ، حليم ودود ، وإياك أن تزداد بحلمه عنك جرأة على المعصية ، فإن الله [ ص: 25 ] لم يرض لأنبيائه المعصية والحرام والظلم ، فقال : ( ياأيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم ) ، ثم قال للمؤمنين : ( ياأيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ) ثم أجملها فقال : ( ياأيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين ) ، واعلم يا أخي ، أنه لم يرض لأنبيائه ولا للمؤمنين ولا للمشركين حراما ، ولا تتهاون بالذنب الصغير ، ولكن انظر من عصيت ، عصيت ربا عظيما يعاقب على الصغير ، ويتجاوز عن الكبير ، إن أكيس الكيس من دخل الجنة بذنب عمله فنصبه بين عينيه ، ثم لم يزل حذرا على نفسه من تلك الخطيئة حتى فارق الدنيا ودخل الجنة ، وإن أحمق الحمق من دخل النار بحسنة واحدة نصبها بين عينيه ، ولم يزل يذكرها ويرجو ثوابها ويتهاون بالذنوب حتى فارق الدنيا ودخل النار ، فكن يا أخي كيسا حذرا على ما زل منك ومضى ، لا تدري ماذا يفعل بك ربك فيه ؟ وما بقي من عمرك لا تدري ماذا يحدث لك فيها ، فإن إبراهيم عليه السلام خليل الرحمن حذر على نفسه فسأل ربه فقال : ( واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ) وقال يوسف عليه السلام : ( توفني مسلما وألحقني بالصالحين ) وقال موسى عليه السلام : ( رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين ) ، وقال شعيب عليه السلام : ( وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا ) ، فهؤلاء أنبياؤه خافوا على أنفسهم ، وإنما المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده " .
أبو نعيم الأصفهاني - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء ج7 صـ25 📚
فائدة :
ثنا، نا، دثنا: يرمز بها عن حدثنا، وتُقرأ: حدثنا.
أنا، أرنا، أبنا: يرمز بها عن أخبرنا، وتقرأ: أخبرنا.
و الله أعلـــــم ☝🏻