في المسند وصحيح أبي حاتم، من حديث عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله ﷺ:
"ما أصاب عبدًا همّ ولا حزن، فقال: اللهُمَّ إنّي عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيّ حكمك، عدلٌ فيَّ قضاؤك، أسألك بكلِّ اسمٍ هو لك، سمّيت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علّمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همّي وغمّي، إلّا أذهب الله همّه وغمّه، وأبدله مكانه فرحا"
قالوا: يا رسول الله أفلا نتعلّمهن؟ قال: بلى ينبغى لمن سمعهن أن يتعلّمهن!
النَّفسُ الفاضلةُ لا ينفكُّ عنها الحبُّ ما كانت الأيَّام، فإن دسَّتهُ وخبَّأته فلأجل ألَّا يختلف عليها حالُها، لأنَّ الحُبَّ وإن أبقى على الفضل فإنَّه لا يُؤمَن على العقل.
يُشجيني تعاقبُ اللُقيا والفراقِ في حياةِ المرء، وانسلاخُ الشخوصِ عن الشخوص، وتبدّل الأدوارِ على الدوام، ويُبهرني كيفَ أنّ الله يسوقُ بعضنا لبعضٍ في محطةٍ ما لقدرٍ ما، ثمّ ينفصمُ سبب الاجتماع بهذا وتقوى ضرورة العثور على ذاك، وهكذا يتنقّلُ البصرُ بينَ الوجوهِ حتّى انقضاء الأجل ونفاد الرزق.
"كان وحده الذي يقرأ حكاياتها في عينيها، خوفها وترددها، حبها وكرهها، قلقها وارتباكها، فرحها وشوقها، إقدامها في حماس ورجوعها بانكسار، وكلما كانت روحها أقرب إلى الفطرة والبراءة كانت عيونها أفصح في افتضاح مشاعر قلبها، كانت ككتاب مغلق للجميع لكنه مكشوف له يقرأ كل ما في قلبها في عينيها!"
ومن ها هنا تعلم اضطرار العباد فوق كل ضرورة إلى معرفة الرسول وما جاء به، وتصديقه فيما أخبر به، وطاعته فيما أمر، فإنه لا سبيل إلى السعادة والفلاح لا في الدنيا ولا في الآخرة إلا على أيدي الرسل، ولا سبيل إلى معرفة الطيب والخبيث على التفصيل إلا من جهتهم، ولا ينال رضا الله البتة إلا على أيديهم، فالطيب من الأعمال والأقوال والأخلاق ليس إلا هديهم وما جاءوا به، فهم الميزان الراجح الذي على أقوالهم وأعمالهم وأخلاقهم توزن الأقوال والأخلاق والأعمال، وبمتابعتهم يتميز أهل الهدى من أهل الضلال، فالضرورة إليهم أعظم من ضرورة البدن إلى روحه والعين إلى نورها والروح إلى حياتها.
لو كنتُ أقدر أن أنزع عن وجهك تجاعيد الأحزان ثم أطرحها أرضًا، لأرى وجه الطفل البريء الذي يختبي خلفها، لفعلتُ ذلك دون تردد، ولكن كيف لي بفعله وإحساس عميق داخلك يتشبث بها، ويبقيها على وجهك، وكأن روحك أصبحت تتلذذ بالآلام، وتأنس بالأحزان، وترى في الوحدة والعزلة أعزّ أصدقائك في الحياة!
أيًا كانت ظروفك وأحداث زمانك ومشكلات واقعك ستشرق الشمس في ذات الوقت، وسينجلي الليل، وستصبح على مباهج الفجر، وستعود تركض في ربوع الحياة من جديد، فلا تقتل نفسك بالقلق، ولا تبدد أفراحك باليأس، ولا تقعد باكيًا على ما تراه في عرض الطريق. غدًا ستنجلي همومك، وتزول ظروفك، وتعانق أفراحك كما تريد فدونك طلائع الصبح القريب.