🔷🔸قصة كربلاء في حلقات:
💎 الحلقة الأولى: رفض الحسين البيعة ليزيد:
في البداية أخوتي أنا سأقتطف هذه الأحداث من كتاب الفتوح للمؤرخ الكوفي ابن أعثم وهو من مؤرخي العامة المنصفين.
وسأنشر هذه المقتطفات مع الأيام بإذن الله، وباختصار شديد مع إنتقاء المهم منها، وبتصرف في بعض عباراته بغرض الاختصار، أما الاقوال والكلمات المذكورة بين [ ] فأنقلها كما هي من دون اي تصرف:
◾فنقول:
أنه حينما مات معاوية بن أبي سفيان في رجب سنة ٦٠ هجرية، كان أول ما فعله ابنه يزيد ان أرسل إلى واليه في المدينة الوليد بن عتبة يأمره في أخذ البيعة من الجماعة الذين سبق أن امتنعوا عن البيعة ليزيد عندما اخذها له أبوه معاوية في حياته، وكان على رأسهم الإمام الحسين عليه السلام وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير.
حيث كتب يزيد لواليه على المدينة: [أما بعد فخذ الحسين بن علي وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر بن الخطاب أخذا عنيفا ليست فيه رخصة، فمن أبى عليك منهم فاضرب عنقه وابعث إليّ برأسه].
فكان جواب الإمام الحسين على ذلك:
[إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة ومحل الرحمة وبنا فتح الله وبنا ختم، ويزيد رجل فاسق شارب خمر قاتل النفس المحرمة معلن بالفسق، مثلي لا يبايع لمثله، ولكن نصبح وتصبحون وننتظر وتنتظرون أيّنا أحق بالخلافة والبيعة].
ومن كلامه أمامهم أيضا: [وعلى الإسلام السلام إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد].
وفي ذات ليلة خرج الحسين بن علي عليهما السلام من منزله وأتى إلى قبر جده صلّى الله عليه وآله، فقال:
[السلام عليك يا رسول الله! أنا الحسين ابن فاطمة، أنا فرخك وابن فرختك وسبطك في الخلف الذي خلفت على أمتك فاشهد عليهم يا نبي الله أنهم قد خذلوني و ضيعوني وأنهم لم يحفظوني، وهذا شكواي إليك حتى ألقاك].
وقال أيضا: [اللهم! إن هذا قبر نبيك محمد وأنا ابن بنت محمد وقد حضرني من الأمر ما قد علمت، اللهم! وإنّي أحب المعروف وأكره المنكر، وأنا أسألك يا ذا الجلال والإكرام بحق هذا القبر ومن فيه ما اخترت من أمري هذا ما هو لك رضى].
ثم جعل الحسين يبكي حتى إذا كان في بياض الصبح وضع رأسه على القبر فأغفى ساعة، فرأى النبي صلّى الله عليه وآله قد أقبل في جماعة من الملائكة عن يمينه وعن شماله ومن بين يديه ومن خلفه حتى ضم الحسين إلى صدره وقبل بين عينيه وقال: [يا بني يا حسين كأنك عن قريب أراك مقتولا مذبوحا بأرض كرب وبلاء من عصابة من أمتي وأنت في ذلك عطشان لا تسقى وظمآن لا تروى وهم مع ذلك يرجون شفاعتي، ما لهم لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة! فما لهم عند الله من خلاق، حبيبي يا حسين! إن أباك وأمك وأخاك قد قدموا عليّ وهم إليك مشتاقون، وإن لك في الجنة درجات لن تنالها إلا بالشهادة].
ثم عزم على الخروج إلى مكة مع جميع أهله، وخلف في المدينة أخاه محمد بن الحنفية ليكون عينا له عليهم، وكان مما قاله له: [لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت والله يزيد بن معاوية أبدا].
وكتب له وصية جاء فيها: [إن الحسين بن علي يشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، جاء بالحق من عنده، وأن الجنة حق والنار حق. وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وإني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب النجاح والصلاح في أمة جدي محمد أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي محمد وسيرة أبي علي بن أبي طالب وسيرة الخلفاء الراشدين المهديين (١)، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق ويحكم بيني وبينهم بالحق وهو خير الحاكمين، هذه وصيتي إليك يا أخي! وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب، والسلام عليك وعلى من اتبع الهدى، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم].
ثم ودعه وخرج في جوف الليل يريد مكة، فجعل يسير ويقرأ هذه الآية: {فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قال رَبِّ نَجِّنِي من الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}. فلما وافى مكة ورأى جبالها من بعيد جعل يتلو هذه الآية: {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قال عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ}.
ولما دخل الحسين مكة فرح به أهلها فرحا شديدا. وجعلوا يختلفون إليه بكرة وعشية. وأقام بمكة شهر شعبان ورمضان وشوال وذي القعدة. وفي مكة يومئذ عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر، فحاول ابن عمر أن يقنعه في الذهاب معه الى المدينة ويجلس في بيته دون أن يبايع، فقال له الحسين عليه السلام: [هيهات يا ابن عمر! إن القوم لا يتركوني وإن أصابوني وإن لم يصيبوني فلا يزالون حتى أبايع وأنا كاره أو يقتلوني].
يتبع ..
🔸الهامش:
(١). لم ترد عبارة (وسيرة الخلفاء الراشدين المهديين) في بعض المصادر، وهؤلاء الخلفاء هم أئمة أهل البيت الاثني عشر، الذين سبقوه والذين لحقوه، فقد كانت سيرتهم جميعا سيرة واحدة ولم يخالف بعضهم بعضا، وهي سيرة رسول الله.