" أيُّ قوة تودعها فينا، أيُّ قوة تلك يا ربّ يا منّان! يأتيك عبدك مُثقلٌ تَعِبٌ من الدنيا فقيرٌ من كلِّ شيء، لا شيء معه سوى دمعٍ ورجاء، فيعود قويًا… كأنك سكبت الطمأنينة في قلبه سكبًا وأمددته بثقة وقوة من عندك، لا حرمتنا مناجاتك، لك الحمد حتى ترضى."
قال الله تعالى : ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ۖ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌࣱ﴾ [الذاريات ٥٠].
فلما دعا العباد للنظر إلى آياته الموجبة لخشيته والإنابة إليه، أمر بما هو المقصود من ذلك، وهو الفرار إليه أي: الفرار مما يكرهه الله ظاهرًا وباطنًا، إلى ما يحبه، ظاهرًا وباطنًا، فرار من الجهل إلى العلم، ومن الكفر إلى الإيمان، ومن المعصية إلى الطاعة، و من الغفلة إلى ذكر الله فمن استكمل هذه الأمور، فقد استكمل الدين كله وقد زال عنه المرهوب، وحصل له نهاية المراد والمطلوب...
وسمى الله الرجوع إليه، فرارَا، لأن في الرجوع لغيره، أنواع المخاوف والمكاره، وفي الرجوع إليه، أنواع المحابّ والأمن، [والسرور] والسعادة والفوز، فيفر العبد من قضائه وقدره، إلى قضائه وقدره، وكل من خفت منه فررت منه إلى الله تعالى، فإنه بحسب الخوف منه، يكون الفرار إليه، ﴿إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ أي: منذر لكم من عذاب الله، ومخوف بين النذارة...
وفي زمنٍ تعجّ فيه الفتن، ويتفنّن فيه النّاس في المعصية والمُجاهرة بها، وتُبثّ فيه الشُّبُهات، وبهِ تُحيط المُلهيات والمُغريات من كل اتجاه؛ يكون الفِرار إلى الله عزّ وجل آكَد وأحرى وأولى!".
"قد يطرق بابك شخص لا يملك من الدنيا شيئًا سوى قلبه النقي، ودينه الذي يهديه، وأخلاقه التي تسمو به...
قد تظنين أن الحياة تحتاج إلى المال والجاه لتستقيم، لكن هذا الشخص قد يكون مستعدًا أن يمنحك أشياء لا تُشترى: حبًّا صادقًا، أمانًا لا يزول، وراحة قلب تُشعرك أن كل ما ينقصك يمكن تعويضه...
فالقيمة الحقيقية لا تكمن في الممتلكات أو المظاهر، بل في عمق النية وصدق العطاء...
حينها تدركين أن الإنسان الذي يملك الدين والأخلاق قد يملأ حياتك بما هو أعظم من كل كنوز الدنيا."