ذات يوم، في صفوف المدرسة، تحدث المعلم عن مفهوم التعود، كيف أن جملتنا العصبية تستجيب فوراً حين نشم رائحة تُقَضِّ مضايقنا، حيث تنتبه أعصابنا وتتفاعل ونشعر بإنزعاج قوي منها. لكن، بعد فترة من البقاء مع تلك الرائحة، يبدأ الضيق في التلاشي، كأنما تكتسي حواسنا برداءٍ من الصمت. أتعرف ماذا يعني هذا؟ يعني أن شعيرات حساسة في مجرى الشم قد ماتت، فلم تعد تتفاعل وتتحسس، ولم تعد تُنبِّه الجملة العصبية التي تحمل في طياتها وجعنا.
وهذا يستثني الأمر ذاته في السمع، عندما نمر بمكان مكتظ بالحدادين وصنّاع الأواني، تثير تلك الضجة أعصابنا، لكن، إذا عاش البعض هناك، سيعتادون كما يعتاد المقيمون، مثلما اعتادوا على الألم الذي يطفو في الأرجاء نحن لانتعود إلا إذا مات فينا شيء ..تصور حجم ما مات فينا حتى تعودنا على كل ما يجري حولنا في هذه الحرب اللعينة نحن، أهل هذه الأرض البائسة، تعودنا على ما هو أشد، تعودنا على فقدان الأمل، تعودنا على الموت الذي يترصّد كل لحظة.
فتشنا عن الطمأنينة، نبحث لعناوينها في أركان الأرض، علّها تمنحنا مفاتيح الراحة والأمان. وكأننا نحاول أن نستعيد شعور السلام، لكن الأيام القاسية أحرقتنا، ومسحت كل أثرٍ للفرح، فلم يبقَ منا إلا الرماد، وذكريات تؤلمنا كطعنةٍ في القلب.
أحرقتنا، ونسيَت أن تدلنا على العلاج، ما الدواء لهذا الحزن المتراكم، لهذه الآلام التي تحرق أرواحنا؟ سافرنا عبر الأرض، نبحث عن السلام، وعن أي أثرٍ للعدالة في حياتنا. ولكن، في نهاية المطاف، عدتُ خاوياً، مدهشاً من فظاعة الإنسان، وأدركت، بوضوحٍ غريب، أن لا عدالة إلا في السماء، وأن أحلامنا قد تبعثرت بين الهموم، بينما نحن، نُقاتل من أجل الوجود، نُسجل لأجيالٍ قادمة أن الألم كان جزء كبير جداً من الحياة.
💌 وصلتك رسالة جديدة ⏱ وقت الرسالة: 2024/12/01 - 11:16:46 PM ---- الصيدليات المفتوحة حالياً في حلب: صيدلية الحسن شارع النيل صيدلية نبراس الميدان صيدلية المكتبي الميرديان صيدلية القمري الفرقان صيدلية الاولى المحافظة صيدلية الرسالة خلف حديقة سيف الدولة صيدلية ليا الرازي صيدلية صافي الموغامبو صيدلية دار الشفاء الاعظمية صيدلية العاصي الفردوس صيدلية دمخلي صلاح الدين صيدلية الحكيم بستان القصر صيدلية البراء الأكرمية. ----
- اللهم لا نسألكَ ردّ القضاء ولكن نسألكَ اللطف فيه . اللهم حَلب و أهلها ارحمهم برحمتِكَ الواسعة و احفظهم بعينك التي لا تنام ، اللهم استودعناك هذا البلد و أهله و عندك لا تضيع الودائع يارب .
لم يكن المقيمون في دمشق أقل راحةً من أولئك الذين كانو في قلب الحرب مباشرةً في حلب. كانت أصوات القصف تتردد في الأفق، تنذر بهزيع آخر من الألم. كنت أستطيع سماع صوت نشرة الأخبار من التلفاز العالي للجيران، وأرى الناس تتجمع عند أي محل تجاري يوجد فيه تلفاز يبث قناة الأخبار. كانت التعليقات على الفيسبوك تفيض بالقلق والترقب، والجميع ينتظر أي إشارة، أي أمل. كنت أتواصل مع من أعرفهم في حلب، أحاول الاطمئنان عليهم، أبحث عن سبل لإعطائهم الأمل، وأحاول أن أمنح نفسي أملاً عبرهم، ولم أعلم ان كان لا يزال هناك أمل فعلاً.
يا الله، صدقني إيماني بك يتخطى كل الحدود. بلادنا صغيرة جداً، تكادُ ان لا تكون في حجم منتصف غيرها لكني أقسم أن حجم الألم الذي مر على قلوبنا في بضعة سنوات يُعادل ما مر على الكون بأسره،
يارب، لا شك أنك عادل ورحيم. أحبك وأحمدك جدا بجميع الأحوال، لكن اليوم نحتاج فعلاً إلى فهم لماذا؟ لماذا هُنا لماذا كل بؤس الكوكب جمع نفسه هنا؟.. لماذا نحن؟ ألهذه الدرجة نحن سيئون؟ ارتكبت أميركا الفظائع في فيتنام واليابان والهنود الحمر وغيرها من البلدان، وها هم سعداء. بريطانيا احتلت نصف الكوكب وها هم ينامون في منازلهم ببالغ الأمان والراحة . وانا هُنا، أحاول ان أقول لمن في حلب وهم تحت القصف، ألا شيء سيء سيحدث. اعتدنا الحرب وعشنا عشر سنوات، وسينتهي هذا لاحقاً. أحاول أن أوجد لهم شيئاً من العادية في حرب. هل يصح هذا؟
لماذا هُنا.. لماذا نحن؟ الفقر والحروب والأزمات تطاردنا، وبتنا نشربها مع الماء. هل نحن حقاً بهذا السوء يا الله؟ هل نستحق كل هذا؟ هل تُذكّرنا بأن الإنسان صغير لا يملك من أمره شيئاً؟ لا أعتقد. لأننا هنا نعلم جيداً أننا كالغبار، بل إننا نسخر من عجزنا أمام الواقع ف ترانا نسخر بالتعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي من واقعنا وعجزنا في هذه فنحن أكثر من انتهت أحلامهم أمامهم، ورأوها تلوح لهم من بعيد، وهم لم يستطعوا حتى التلويح لها، لم يستطعوا سوى مراقبتها تذهب بعيداً. هل تُذكّرنا بقيمة الحياة؟ أيضاً لا أعتقد، فإننا هنا قد عاينّا الموت بما يكفي لنقدّر كل شهيق وزفير لأحبائنا. فلا يوجد بنا من لم يخسر صديقاً أو فرداً من عائلته في هذه الحرب البائسة.
هل اكتملت اللعنة؟ أم لا يزال هناك المزيد؟ رُبما نيزك او تسونامي او حرب جديدة لتنتهي سلسلة أفلام الرعب والدراما، التي سُمّيت بالخطأ "حياة"؟ فلا حياة في بلادنا، صدقني يا الله، لم أعد أسميها بلاداً، بل أصبحت أسمي هذه البقعة من الأرض "مركز بؤس كوكب الأرض".
إنني إنسان يثق بك، يثق كثيراً، ويحمدك ويمجدك، ويشهد أنه لا إله إلا أنت، ويصلي ويسجد لك. لكن ما يحدث قاسٍ جداً يا الله. قاسٍ لدرجة أننا أصبحنا نحتاج أجوبةً، نحتاجها بشدّة. وإن لم تكن هناك أجوبة لنا، فنحتاج رحمة.