ليلة دموية في حلب
لم يكن المقيمون في دمشق أقل راحةً من أولئك الذين كانو في قلب الحرب مباشرةً في حلب. كانت أصوات القصف تتردد في الأفق، تنذر بهزيع آخر من الألم. كنت أستطيع سماع صوت نشرة الأخبار من التلفاز العالي للجيران، وأرى الناس تتجمع عند أي محل تجاري يوجد فيه تلفاز يبث قناة الأخبار. كانت التعليقات على الفيسبوك تفيض بالقلق والترقب، والجميع ينتظر أي إشارة، أي أمل. كنت أتواصل مع من أعرفهم في حلب، أحاول الاطمئنان عليهم، أبحث عن سبل لإعطائهم الأمل، وأحاول أن أمنح نفسي أملاً عبرهم، ولم أعلم ان كان لا يزال هناك أمل فعلاً.
يا الله،
صدقني إيماني بك يتخطى كل الحدود. بلادنا صغيرة جداً، تكادُ ان لا تكون في حجم منتصف غيرها لكني أقسم أن حجم الألم الذي مر على قلوبنا في بضعة سنوات يُعادل ما مر على الكون بأسره،
يارب، لا شك أنك عادل ورحيم. أحبك وأحمدك جدا بجميع الأحوال، لكن اليوم نحتاج فعلاً إلى فهم لماذا؟ لماذا هُنا لماذا كل بؤس الكوكب جمع نفسه هنا؟.. لماذا نحن؟ ألهذه الدرجة نحن سيئون؟ ارتكبت أميركا الفظائع في فيتنام واليابان والهنود الحمر وغيرها من البلدان، وها هم سعداء. بريطانيا احتلت نصف الكوكب وها هم ينامون في منازلهم ببالغ الأمان والراحة . وانا هُنا، أحاول ان أقول لمن في حلب وهم تحت القصف، ألا شيء سيء سيحدث. اعتدنا الحرب وعشنا عشر سنوات، وسينتهي هذا لاحقاً. أحاول أن أوجد لهم شيئاً من العادية في حرب. هل يصح هذا؟
لماذا هُنا.. لماذا نحن؟ الفقر والحروب والأزمات تطاردنا، وبتنا نشربها مع الماء. هل نحن حقاً بهذا السوء يا الله؟ هل نستحق كل هذا؟ هل تُذكّرنا بأن الإنسان صغير لا يملك من أمره شيئاً؟ لا أعتقد. لأننا هنا نعلم جيداً أننا كالغبار، بل إننا نسخر من عجزنا أمام الواقع ف ترانا نسخر بالتعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي من واقعنا وعجزنا في هذه فنحن أكثر من انتهت أحلامهم أمامهم، ورأوها تلوح لهم من بعيد، وهم لم يستطعوا حتى التلويح لها، لم يستطعوا سوى مراقبتها تذهب بعيداً. هل تُذكّرنا بقيمة الحياة؟ أيضاً لا أعتقد، فإننا هنا قد عاينّا الموت بما يكفي لنقدّر كل شهيق وزفير لأحبائنا. فلا يوجد بنا من لم يخسر صديقاً أو فرداً من عائلته في هذه الحرب البائسة.
هل اكتملت اللعنة؟ أم لا يزال هناك المزيد؟ رُبما نيزك او تسونامي او حرب جديدة لتنتهي سلسلة أفلام الرعب والدراما، التي سُمّيت بالخطأ "حياة"؟ فلا حياة في بلادنا، صدقني يا الله، لم أعد أسميها بلاداً، بل أصبحت أسمي هذه البقعة من الأرض "مركز بؤس كوكب الأرض".
إنني إنسان يثق بك، يثق كثيراً، ويحمدك ويمجدك، ويشهد أنه لا إله إلا أنت، ويصلي ويسجد لك. لكن ما يحدث قاسٍ جداً يا الله. قاسٍ لدرجة أننا أصبحنا نحتاج أجوبةً، نحتاجها بشدّة. وإن لم تكن هناك أجوبة لنا، فنحتاج رحمة.
يا الله، أنا لست كافراً، أنا فقط ابن شعبٍ مُتعب.
عهد النعيمي
دمشق ٢٠٢٤,١١,٣٠