عندما يتشبث بك طفلك الصغير، ويبكي أمامك من شدة الجوع، ثم لا تجد ما تسد به جوعته، أو تسكت به معدته، حينها تتمنى لو تنشق الأرض وتبلعك، وتقول يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً !! لقد اشتدت هذه الحرب على أهل غزة وقست، وأبكت وأحزنت، وجوعت وأوجعت، فلا يدري هؤلاء المساكين أي وحش يجابهون، وحش المـوت، أم وحش الخوف، أم وحش الجوع، أم وحش العطش، أم وحش البرد، أم وحش الغلاء، أم وحش النزوح الذي لا يتوقف !! اللهم إنا نسألك باسمك الأعظم الذي إذا دُعيت به أجبت، وإذا سُئلت به أعطيت، اللهم لأجل هؤلاء الأطفال الصغار، ارفع عن غزة هذا البلاء، واكشف هذا الكرب، وأزح هذه الغمة، اللهم عاجلاً غير آجل يارب العالمين !!
أقسم لكم بالله يا أهل غزة، لن يخذلكم الله، ولن يترككم، ولن ينساكم، ولن يتخلى عنكم !! غداً سيأتي الفرج فجأة من حيث لا تحتسبون ولا تتوقعون، وستبكون من شدة السعادة والفرح، وستعرفون قدر رحمة الله بكم، وجميل لطفه، وعظيم كرمه، هذا وعد الله، ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريباً !!
يا الله قديش دماءنا صارت رخيصة في حسابات هذا العالم الرخيص !! فجر اليوم ارتقى أكثر من 90 إنسان جلهم من الأطفال والنساء في مجزرة عائلة نصر في بيت لاهيا، هذا الخبر لم يستحق أن ينتشر، لم يستحق أن تُسلط عليه الأضواء، لم يستحق أن يحرك قلوب الناس، لم يستحق أن يتصدر الترند، فهناك ما هو أهم من السخافات والتفاهات، التي ملأت عقول الناس، واستوطنت قلوبهم !! لا تحزنوا يا أهل غزة، فإذا كانت دماؤكم عند الناس رخيصة، فإنها عند الله غالية، أغلى من الدنيا وما فيها !!
يا حليم، يا ودود، ياذا العرش المجيد، يا مبدئ يا معيد، يا فعالاً لما تريد، أسألك بعزك الذي لا يُرام، وملكك الذي لا يُضام، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك، أن تغيث غزة، وتلطف بأهلها، اللهم اجعل لهم من كل ضيق مخرجاً، ومن كل هم فرجا، ومن كل بلاء عافية، اللهم استر عوراتهم، وآمن روعاتهم، واحفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم !! اللهم عجل بالفرج لهم، وبشرهم بما يفرحهم ويحيي أرواحهم !!
اللهم إنا نتوسل إليك بالأطفال الرُضَّع، والمشايخ الرُكَّع، والبهائم الرُتَّع، يا من بيده الخير أجمع، أن ترفع عن غزة هذا البلاء، وتزيح هذه الغمة، وتكشف هذا الكرب، وتطفئ هذه الحرب، اللهم أنزل علينا السكينة والسلام، والأمن والأمان !! اللهم إنا نتعلق بحبل لطفك وعنايتك، فانظر إلينا بعين الرضا واللطف والرحمة، وارفع عنا هذا البلاء بقوتك وقدرتك، يا صاحب اللطف الخفي، بك نستجير ونستعين ونكتفي !!
وأي مصيبة أعظم من هذه المصيبة، وأي بلاء أشد من هذا البلاء، فقد مضى عام كامل وصوت الأذان لا يُرفع في غزة، ولا تقام فيها صلاة جمعة ولا جماعة، فقد تم تدمـير مساجدها، وسحق جميع مآذنها !! فاللهم أعدنا لمساجدها آمنين مطمئنين، وشنف آذاننا بسماع صوت الأذان وهو يصدح في أرجائها، فقد اشتقنا لصوته كثيرا، واشتقنا لصلاة الجمعة والجماعة، اللهم لا تحرمنا فضلك يا عظيم، ولا تمنع عنا رحمتك يا رحمن يا رحيم !!
نمشي في الأسواق نبحث طوال اليوم عن شيء لنطعمه أطفالنا فلا نجد، حتى رغيف الخبز الذي نخره السوس واقتات عليه الدود، نحصل عليه بمشقة بالغة، هذا ونحن في جنوب غزة فما بالكم بمن هم في شمالها !! اللهم أطعم جائعنا، وآمن خائفنا، وآو مشردنا، ولا تحوجنا لأحد من خلقك، فحاجتنا إليك، وإيماننا بك، وتصديقنا لك، فأنت القائل؛ فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا، فاللهم أتبع عسرنا يسرا، وهمنا فرجا، وضيقنا سعة وفرحا !!
ما الذي يمنعك أن تترك جوالك الآن، ثم تفرش سجادة صلاتك، وتصلي لله ركعتين تستجمع فيهما قلبك، ثم ترفع يديك إلى السماء، وتتوسل إلى الله وتلح عليه بقلب مكسور، أن يحفظ غزة، ويلطف بشمالها، ويفرج كرب أهلها !! هذا والله أقل شيء تفعلوه، وأعظم واجب تؤدوه، فلا تقيدكم حبال العجز عنه هو الآخر أيضاً، قال النبي ﷺ إن أعجز الناس من عجز عن الدعاء !!