لقد شعرنا وشعر الأحرار في يوم السابع من أكتوبر 2023م شعورًا حقيقيًا بمعنى العزة والكرامة، وتنفسنا الصعداء فرحًا ونشوةً وسرورًا، وهتفنا من أعماقنا: الله أكبر الله أكبر، أحقًا ما رأينا وسمعت آذاننا؟ أحقًا اقتحم الأسود سلكًا كلف المليارات؟ واقتحمت صواريخهم قبة صوروها لنا أنها تصطاد الحشرات؟ أحقًا أسر أبطالنا أكثر من مئتي وخمسين خنزيرًا صهيونيًا في لحظات قليلة وقتلوا أكثر من ألف وثلاثمئة آخرين؟ أحقًا يفر المستوطنون خوفًا وفزعًا؟ ويهجر الآلاف منهم أرض الميعاد المزعومة؟ نعم هذا كله وغيره أشعرنا بعزة الإسلام، وكرامة المسلم، وبهجة النصر العظيم.
وما زلنا طوال هذا العام ونحن نشعر بالعزة رغم الألم، قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَهِنُوا۟ وَلَا تَحۡزَنُوا۟ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ﴾ [آل عمران: ١٣٩]. أنتم الأعلون حتى في لحظة الهزيمة، فكيف بكم في حالة النصر؟! في حالة النصر أنتم الأعلون وتشعرون بالعزة والكرامة ونشوة النصر.
نشعر بالعزة كلما سمعنا عن قتل خنزير فكيف بقتل المجموعات منهم؟ نشعر بالعزة كلما شاهدنا صورة للميركفاة وهي مشتعلة بمن فيها، نشعر بالعزة كلما رأينا منزلًا يفجر بالخنازير، نشعر بالعزة كلما سمعنا (النتن) يصرخ كالمجنون ويتهدد ويتوعد ووجهه مكفهر من آثار الهزيمة، نشعر بالعزة وهم يقولون نحن ننتظر ردّ المقاومة بالموافقة على الصفقة من عدمه، نشعر بالعزة ونحن نرى العالم كله على قدم وساق والمقاومون في هدوئهم وثباتهم.
هذه حالة يشعر بها الأحرار من الناس، ولا يشعر بها العبيد منهم، فالأحرار سعداء تسموا أرواحهم، وإن كانت تمطرهم القنابل، وما رأيناه وما زلنا نراه من أهل غزة يدعونا دائمًا للعزة والكرامة.
﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾
لقد تعلمنا أن لنا أولويات في كل شيء، أولوية في الولاء وفي البراء وفي السلم وفي الحرب، أولوية فيما نسمع وفيما نتكلم، وحتى في الطعام والشراب والنوم وغير ذلك، واليوم نحن أمام أخطر قضية عرفها التاريخ الحديث وهي قضية القرن الواحد والعشرين، وهي قضية (طوفان الأقصى)، والتي سطرت ملحمة جديدة وعظيمة وغريبة على التاريخ المعاصر، ولزاماً علينا أن نجعلها أولويتنا العظمى، وأن نقف في صفها وأن ندعمها وأن لا ننشغل عن دعمها بأي أمر آخر وإن عظم قدره، وأكثر ما يريده بني صهيون هو أن ننشغل بقضية غيرها، وخاصة أن ننشغل بقضايا خلافنا مع بعضنا أو مع بعض المحيطين والمتربصين بنا، ولو انجررنا للنزاعات مع بعضهم، فسننسى قضيتنا الأساسية، وينفرد الذئب بالضحية يفعل بها ما يشاء.
وإن أولى ما ننصر به قضيتنا (قضية الطوفان) هي وحدتنا وترك الخلافات بيننا، فوحدة قلوبنا سبب للنصرة، لقوله تعالى: ﴿لَّقَدۡ رَضِیَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ إِذۡ یُبَایِعُونَكَ تَحۡتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِی قُلُوبِهِمۡ فَأَنزَلَ ٱلسَّكِینَةَ عَلَیۡهِمۡ وَأَثَـٰبَهُمۡ فَتۡحࣰا قَرِیبࣰا﴾ [الفتح: ١٨]، فلولا تآلف قلوبهم ووحدتهم على الحق لما استحقوا السكينة ولا الفتح القريب، ولذلك فإخواننا في غزة يجاهدون المحتل ويتنزل عليهم النصر بوحدتنا معهم وتآلف قلوبنا.. وهذا يدفعنا للدعاء لهم، فنصرهم عائد على الأمة كلها لذا هم في حاجة ماسة لوحدة قلوبنا، وإنا لنخشى والله أن نكون سببًا في تأخير النصر عن إخواننا بسبب تنازعنا واختلاف قلوبنا، عافانا الله وإخواننا من ذلك!
عام من العزة والكرامة
كثير من الناس يعيشون في الأرض معيشة الأنعام -أعزكم الله-، فلا يرون الحياة إلا علفًا يؤكل، وماء يُشرب، ولذة تُقضى، وإن داروا في فلك الساقية ليل نهار، وإن أذلهم صاحب البستان وأمطرهم بوابل من الشتائم وأحيانًا بعض السياط، المهم عندهم أنهم نجوا من السكين وإن عاشوا ذليلين خاضعين، وتلك هي حياة العبيد.
والبعض الآخر وهم القلة، لا يرضون بمثل هذه الحياة الذليلة مهما كان الثمن، فهم يرضون بالفقر والجوع والعذاب بل والموت، والمهم أن يكونوا أعزة مرفوعي الرؤوس، يعيشون بكرامة وإباء، ويموتون بكرامة وإباء، وهم يعلمون أن عزتهم وكرامتهم لا تقصر لهم عمرًا.
يقول عنترة بن شداد واصفاً هذا الشعور بالكرامة والعزة:
وَإِذا الجَبانُ نَهاكَ يَومَ كَريهَةٍ خَوفاً عَلَيكَ مِنَ اِزدِحامِ الجَحفَلِ
فَاعصِ مَقالَتَهُ وَلا تَحفِل بِها وَاقدِم إِذا حَقَّ اللقا في الأَوّلِ
وَاختَر لِنَفسِكَ مَنزِلاً تَعلو بِهِ أَو مُت كَريماً تَحتَ ظُلِّ القَسطَلِ
فَالمَوتُ لا يُنجيكَ مِن آفاتِهِ حِصنٌ وَلَو شَيّدتَهُ بِالجَندَلِ
مَوتُ الفَتى في عِزةٍ خَيرٌ لَهُ مِن أَن يَبيتَ أَسيرَ طَرفٍ أَكحَلِ
إلى أن قال:
لا تَسقِني ماءَ الحَياةِ بِذِلّة بَل فَاِسقِني بِالعِزِّ كَأسَ الحَنظَلِ