ولم تكن جعبة القائد السنوار كتلك الجعب الفخمة الضخمة التي يرتديها جنود العدو، مجهزة بكل ما يحتاجه المقاتل الإسرائيلي، ومزودة بدروع حماية واقية من الرصاص، بل كانت جعبة بسيطة خفيفة -وهو القائد!- دون كثير جيوب وعلائق، ودون درع واقية من الرصاص بطبيعة الحال، وكأني به يتمثل قول عوف بن الحارث لرسول الله ﷺ يوم بدر: يا رسول الله، ما يضحك الرب من عبده؟ قال: "غمسه يده في العدو حاسراً، فنزع درعاً كانت عليه فقذفها، ثم أخذ سيفه فقاتل حتى قُتل".
مطوية: من الأذكار النبوية اليومية
قد يتساءل البعض متعجباً: ما حاجة المقاتل في الميدان لمطوية الأذكار؟
والجواب: أن حاجته إليها لا تقل عن حاجته لبندقيته ورصاصه، فالأذكار هي ذخيرة المجاهد الإيمانية، وغذاء روحه التي يربط بها على قلبه، ويتعلق بها بربه، فلا يبقى خوف ولا وجل ولا ضعف ولا جُبن يغشى قلبه أو يساور نفسه.
الأذكار والأوراد للمجاهد هي زاد سماوي يغمر روحه بنور الطمأنينة، ويملأ قلبه يقينًا في ميدان الصراع مع النفس والشيطان. وسط أزيز الرصاص، وأصوات القذائف والقنابل، وفي أحلك المواقف، يلهج قلب المجاهد ولسانه بالأذكار فتهب كأنها نسمات رحمة تلامس القلب، فتربط المجاهد بربه في كل حركة وسكنة، ويستشعر معها قوة المعية الإلهية تحفّه وتشد من أزره، وكأن الأذكار أسلحة خفية تجدد في قلبه العزيمة، وتُلبسه درعًا من نور الإيمان، يحميه من تردد النفس وزيغ الخوف، فتسمو روحه ثابتةً مؤمنةً، لا يزعزعها بأس الأعداء ولا رهبة الحتوف.
وفي احتفاظ القائد السنوار بمطوية الأذكار النبوية دلالة على حرصه على الحفاظ على الأذكار النبوية الثابتة، متتبعاً هدي رسول الله ﷺ، متبركاً بترداد الأذكار الواردة عنه، يقتفي أثره، ويتبع سنته، قائداً مجاهداً، وعابداً ذاكراً، ومتبتلاً أواباً، ولعمري هذا فعل الرجال الصادقين، المجاهدين بالسنن وعلى السنن حقيقة لا ادعاءً!
(وللحديث بقية في المقالات القادمة إن شاء الله)