التفصيل والتركيب من آية العلم، ولاسيما في المسائل الكبيرة المركبة ذات الجهات، وخاصة حين تنزل على وقائع معينة.
وعامة الناس، وكثير منهم منتسبون إلى العلم، يرون أن المباشرة والبساطة والأقوال الساذَجة هي أمارة القول الحق، وأن التفصيل إما من مسالك المبتدعة أو هو مراوغة أو تمييع، والحال أن هذا ليس إلا ضجرًا ومللًا، والضجر ليس علمًا بل إما سوء خلق وضيق عطن أو عدم تأتٍّ ومطاوعةٍ للعلم، وكلٌّ ميسر لما خلق له.
فالحاصل أن النفور من هذا ناجمٌ عن ضعف التحقيق في العلم، ثم ضعف التحقيق في الدين لأن مقتضى الورع العدل والإنصاف، والعدل لا يكون إلا بالتفصيل وبيان الجهات المختلفة.
يقول الإمام النووي:
"فمن استطال شيئًا من هذا وشِبْهِه؛ فهو بعيدٌ من الإتقان، مُباعِدٌ للفلاح في هذا الشأن، فليعزِّ نفسَه لسُوء حاله، وليرجِعْ عما ارتكبه من قبيح فعاله.
ولا ينبغي لطالب التحقيق والتنقيح والإتقان والتدقيق أن يلتفت إلى كراهة أو سآمة ذوي البطالة وأصحاب الغباوة والمهانة والملالة، بل يفرح بما يجده من العلم مبسوطًا، وما يصادفه من القواعد والمشكلات واضحًا مضبوطًا، ويحمد الله الكريم على تيسيره".