انتظريني | أمَاني البُريهي.
شاردةٌ بِاللاشيء، أتأمل تضاريس المنزل دون وعي، وانظر إلىٰ تفاصيل يديّ بإنبهارٍ كأنّي لأوّلِ مرةٍ أراها، أتأمل ملامحي بصمتٍ وأغوصُ بأفكارٍ تشبه الحياة واقعية جدًا، أتأمل سطح المنزل كأنَّهُ فضاء واسع بدهشةٍ انظر حولي بصمتٍ قابع وثبات مُصطنع، قطع ثباتي صوت "رِسالة للبريد" بفتورٍ وعينيّنِ ذابلتين تشعُ كُره للأيامِ المُكررة فتحتُ تلك الرِسالة التي لم تُعني لي شيء "انتظَريني".
لم أعطِ أيُّ اهتمام لرسالةٍ كهذه لرُبما من أرسلها إليَّ أخطأ رُبما كان قاصدًا عنوان آخر، رُبما لصديقهِ أو محبوبتهِ لتنتظرهُ ما شأنِي بسخافاتهم، أغلقتُ هاتفي متذمرة ما شأني بالبريدِ الخاطئ هذا، عدتُ أتأملني كأنِّي لأوّلِ مرة أقابلنِي واتحدث إليَّ كأنّي بموعدٍ معي، أسألني وأُجيب، أجلس في هذا المكان من أيام عِدة بمفردي لكن المكان يضج بأروحِ الغائبين، أكاد أجزم أنّي اشتم رائحة من رحلوا، عبقهم يملئ الأرجاء، دمعة باردة استوطنّت خدي هي من جلعتني استيقظ من كابوس الذكريات الذي أعيشهُ من نفسي كل يوم، صوت رِسالة أُخرىٰ لكنها غريبة هذه المرة ببرودٍ مسكتُ هاتفي لأقرأ.
"انتظِريني"
الإنتظار مُؤلم يا عزيزتي كارولينا والبعد شاقٌ على قلب يهوىٰ كقلبِي، الأيام التي لا تحتويكِ باهتة فأنتظِريني.
كنت سأتغاضى عن الرسالةِ كغيرها لولا أن اسمي هذه المرة مُدون بِها إنها لي، من ذا الذي سَيخطئ بالبريدِ وبالأسم أيضًا؟ لا بأس رُبما هي تفاهات الأصدقاء لديَّ مواضيع أهم لأغرق بها لا وقت لي لأخوضَ برسائلٍ مجهولة الهوية، استوقف تفكيري صَوت الرِياح صوت يَعم الأرجاء يُحيط بك يجلب لك الخوف، الخوف من أن تتذكر أنّك وحيد، صَوت الرياح هكذا يشعرني بالوحدة، اغمضتُ عينايَّ بقوةٍ كي يحل عليَّ زائر النوم، لأنام قليلًا لتهدأ الأصوات التي تستوطنُّ عُمقي.
السادسةُ صباحًا علىٰ صوتِ رسالةِ بريد استيقظتُ أفتح عينايَّ بصعوبةٍ كانت ليلة حافلة بِالذكريات، مُمتلئة بالماضي، بقليلٍ من الإهتمام فتحتُ الرسالة:
" عَزيزتِي كَارولينا كيف كانت ليلتكِ؟
أعلم أن الرياح تُخفيك، رغم قوتكِ قلبكِ قطنيٌّ، أمازلتِ هكذا يُبكيكِ حُزن طفل مشرد، ويَتيم دون مأوىٰ؟
لا تَندهشي فلستُ شخصًا أجهلكِ، شخص مثلي قد غرق في تفاصيلكِ الصغيرة، في قطقطةِ أصابعكِ توترًا لنعاسكِ خوفًا، لِأدعاءكِ باللامبالاةِ كبرياءً، لم تكن مُهمة معرفتكِ صعبة علىٰ شخصٍ يُريد ذلك، ولو أنَّ سنوات عمري فُنيت لأجلِ تلك اللحظة التي أُوقن أنّي عرفتكِ بها لأفنيتُ عمري لأجلكِ، دعينا من هذا ليس موضوعي الآن، لكني أخبركِ برجاءٍ لا تعودي إلىٰ هُنا فالأماكن لم تعد كما كانت، والألم يستوطنُّ النّاس، لا تعودي وانتظِريني".
أغلقتُ الرسالة بدهشةٍ من ذا الذي يعرفني، إلىٰ أين أعود، وما الذي يقول؟
ألف سؤال وَسؤال
قمتُ بكتابةِ رد من أسطرٍ عدة لكن ردي لم يصل، حاولت مِرارًا أن أرسل ردًا، أن أسأل لكن دُون جدوىٰ، لوهلةٍ فُزعت، تأملتُ حولي أين أنا، وإلىٰ أين لا أعود؟
لرُبما عليَّ أن أنتظر رسائل البريد فقط ألا أحاول التفكير فلي نصيب مِنه لم ينفذ بعد.
تذكرتُ ذاك اليوم كنا في نزهةٍ عائلية نضحك بحبٍ نُعانق السحاب، ضحكات هسترية وحكاوي نسمعها للمرةِ الألف بشغفِ المرة الأولىٰ، حينها زارني الفضول لأتساءل: "حين يذكر اسمي ما الذي تتذكرونه"
اللامُبالاة، القُوة، قلب قطني، الابتسامة، الشَخصية الغامضة ...
تذكرتُ إجاباتهم نعم حِين يُذكر اسم كاورلينا يذكر اللامبالاة، لِمَ هذهِ المرة أبالي، أُحدق بالهاتفِ مِرارًا أنتظر بريدًا آخر ليشبع جوع فضولي، لستُ متطفلة لكني أحتاج من يسد رمق إجاباتي، انتظرتُ أيام حتىٰ نسيت موضوع البريد لأستيقظ في ذلك اليوم علىٰ بريد لولا أنّي رزينة العقل لقمتُ بحركاتٍ سخيفة كحركاتِ المُراهقين من السعادةِ فتحتُ البريد بشغفٍ كبير هذه المرة لأقرأ.
"الأشياء التِي ننتظرها بشغفٍ لا تأتي، حين يخفت انتظارها تأتي تمامًا كما حصل معكِ، كنتُ أعلم أنّكِ تنتظريني كما طلبتُ منكِ، ليتني حقًا أتوقف عن إنتظاركِ كي تأتين، لتبتسمين قليلًا، قليلًا فقط لتهدأ كل كوابيسي، لا عليكِ كيف حالكِ وأنتِ بعيدة عن أرضنا؟
مررتُ بجوار منزلكِ أزهار البابونج قد ذبلت لم يعتني بها أحد، لو أنَّكِ تعودين لنُزهر".
انتهيتُ من قراءةِ الرسالة لم أستطع إيقاف أدمعي ليست لأحرفهِ الغريبة فقط ولا للدفءِ الذي في عُمقها، بل لأنّي أشتقتُ لأعود لستُ أدري أين أنا، وحيدة هنا، حتىٰ الرياح تُخفيني، أيعقل ألا أنتظر رسائله كي تصلني؟
أتأملني بإحباطٍ شديد هذه المرة لن أنجو، عليَّ أن أتذكر كيف استيقظتُ هنا، لكن دون جدوىٰ لا فائدة كل شيء يُعديني للصفر لا أتذكر لا أتذكر.