في الآونة الأخيرة، صار قسم الحضانة ورعاية الأطفال والخُدَّج في مستشفى كمال عدوان في شمال قطاع غزة أشبه بثلاجة للموتى الصّغار، إذ خرجت منه خلال أسبوع واحد، جثامين 15 طفلاً ماتوا نتيجة المجاعة!
ففي السّياق نفسه، يبدو قسم الاستقبال والطوارئ في المستشفى ملجأً لنزوح الكثير من المسنّين الّذين تبدو عليهم ملامح الضّعف الشّديد.
أمّا أهالي شمال القطاع الذين يمنع "جيش" العدو دخول المساعدات إليهم منذ أكثر من 100 يوم، فإن لقمةَ الطّعامِ عندهم صارت حلمًا، والشّبعُ صارَ مُرادًا بعيدًا، فترى الحُزن بأصواتهم والجوع بكلماتهم حين يتحايلُ أحدهم على الجوع ببزر قرع أو دوّار شمس، ليشعر أنه يمضغ شيئًا لمدة نصف ساعة، أو حين يقولُون حرفيًّا أنّ الأكل الحقيقي صار ذكرى بعيدة، من لحوم، معلبات، فواكه، وغيرها من المأكولات التي غابت منذ بداية الحرب.
-بينما يُسيطر الجوع على أجساد أكثر من نصف مليون إنسان في مناطق شمال وادي غزة، ترتسم ملامح قاتمة السواد، لمصير الغزّاويّين الذين تهدّدهم المجاعة بأخطارها، فالاحتلالُ مستمرٌّ في إبادةِ الغزّاويّينَ لا بالقنابل فقط، بل وبالجوع وانعدام الإمدادات الغذائية في القطاع، منذُ بدءِ العُدوان.
-فبعد 48 ساعة من بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة، أصدر الاحتلالُ قراره بمنع دخول "الغذاء والماء والوقود إلى القطاع"، ليشكل هذا القرار اللحظة الفعلية التي بدأ فيها الاحتلال فرض حصاره التجويعي على قطاع غزة.
-أغلق المُحتلّ جميع المعابر مع قطاع غزة الذي كان يدخله يوميًّا 600 شاحنة عبر معبر كرم أبو سالم، بدأت المواد الغذائية بالنفاد التدريجي مع محاصرة الشمال من أركانه الأربعة، واستمرار منع دخول أي نوع من المساعدات إليه، والتدمير الممنهج للأحياء السكنية والأسواق والمتاجر والمخابز، وواجه المواطنون صعوبات جمّة في تعويض ما ينقص من إمدادات.
-والآن؛ لا يجدُ الغزّاويّون طعامًا؛ بل وقد تمّ إدخالُ القطاع رسميًّا في مجاعةٍ جليّةٍ على مرأًى عالميّ، هذا سلاحُ التّجويع الّذي يقوّض فيه المحتلّ القطاع؛ مُحاولًا تحقيق مخطّطاته الواهية.
-ربّما لم يتخيّل الفلسطينيون في قطاع غزة أن يمر عليهم يوم لا يجدون فيه ما يأكلونه، حتى أنهم باتوا يطحنون أعلاف الحيوانات لصنع الدقيق منه وإطعام أطفالهم الجياع؛ بعد الحصار الّذي يفرضه الكيان المُحتلّ على القطاع، مع منع وصول أي مساعدات غذائية إلى سكان هذه المناطق، ما أدى -ولا يزال- لنفاد كل ما يملكونه من طعام ومياه صالحة للشرب.
-من هنا؛ يلجأ بعض السكان إلى طحن علف الحيوانات للحصول على دقيق للبقاء على قيد الحياة، لكن حتى مخزونات تلك الحبوب تتضاءل الآن؛ ويحفر بعضُ الغزّاويّين في التربة للوصول إلى أنابيب المياه للحصول على احتياجاتهم للشرب والغسيل.
-كما أنّ الخبز الذي يصنعونه من الدقيق "طعمه سيء للغاية ولا يتقبله الأطفال بأي شكل" كما يقولُ أحدهم. ما يحصل في غزّة الآن مجزرة ومجاعة فعليّة أمام مرأى العالم، بينما يتغذّى العالم على أروع الموائد، في العالم الموازي، أطفالٌ جائعون، رجالٌ لم يجدوا كسرةَ خُبز، ونساءٌ يتألّمون، هُنا غزّة، هُنا شمال غزّة الجائع، هُنا القطاعُ الّذي حوصر ولا يزال، من قِبَل الاحتلال الإسرائيليّ الهمجي، لا تَنسوا غزّة وألمها!
-مدينة رفح الآن، تحوّلت إلى أكبر تجمّع للنازحين في قطاع غزة، يعيش فيها أكثر من مليون ومئتي ألف، في ظروف قاسية فرضها عليهم المُحتلّ.
-مئات الآلاف من الخيام الّتي يختبئ فيها الغزّاويّون، إذ "لم يبقِ الأهالي مترًا واحدًا فارغًا إلا شغلوه، إلى الحد الذي وصل فيه زحف الخيام، إلى الشريط الحدودي الفاصل مع مصر".
-يقول مصدر في "إدارة لجنة الطوارئ" في المدينة: "في البداية، فتحنا المساجد والمدارس والمقارّ الحكومية لاستقبال النازحين، بعدما اكتظت مدارس الأونروا بالأهالي. وفي الوقت الحالي، تزدحم منازل السكان الأصليين بالعشرات من العائلات، حيث استقبل الناس معارفهم، ثم نصبوا لهم خيامًا على أبواب المنازل، والآن ينام الأهالي في الشوارع وعلى أبواب المحالّ التجارية والأسواق".
-هُنا شمال غزّة الجائعُ والمنكوب، هُنا الشّمال الّذي يُنادي بمن فيه "إلنا ٣ أيّام بلا أكل يا عالم!" و"للي نفد من القصف مات من الجوع"، و"آخر رغيف خبز أكلتُه من شهر!"، ثمّ يصرخ آخر "إحنا بنموت يا عالم بتسمعوش!!" والختام أمنيةٌ هي أبسطُ ما يجب أن يملكهُ الغزّاويّ كَحقّ "إحنا مش أرقام!"
-كابوسُ المجاعةِ صار واقعًا، وفي غزّة، باتت النّاسُ فعلًا تموتُ من الجوع، ولا تجدُ حتّى البدائل لسدّ جوعها وعطشها.
-وقد حمّل المكتب الإعلامي الحكومي في غزّة المسؤوليّة كاملةً لكلّ دول العالم تُجاه "هذه الجريمة القذرة التي يمارسها الاحتلال بدعم أمريكي كامل، وإنّ كل دول العالم مطالبة بالتنديد وإدانة هذه الجريمة التي قد تودي بحياة نصف مليون إنسان شمالغزة وأطرافها".
#شمال_غزة_يجوع مُحاولين بهذا الهاشتاغ أن نُسمع العالم الأصمّ صرخات الجوعِ في غزّة، وأن نُري العالم الأعمى مناظرَ الموت بفعل المجاعة.