بين مواجع غزة ومباهج الشام يتفتت القلب ويتشتت الذهن ويكاد الواحد ينشق إلى نصفين، وهو يسمع على أذنه اليسرى قومًا يتضرعون باكين: متى نصر الله؟، وعلى أذنه اليمنى قومًا يحمدون باكين: ألا إن نصر الله قريب!💔
في أيّام الرضيع وشهوره الأولى، يكون مخلوقًا جاهلًا بكيانه، لا يستطيع إدراك كينونته أو الإحاطة بالحيّز الذي يشغله، عاجز عن التعرف على يديه وأطرافه، وكأنه يطفو في فضاءٍ مفتوح. لذلك يضطرب عندما تبتعدُ عنه أمه، لأن لمستها واحتضانها إيّاه؛ فقط ما يرجعان إليه شعوره بنفسه وحدوده.
بطريقةٍ ما؛ يستمر معنا هذا الشعور ما حيينا، وكأنه يسري تحتَ جلودنا، فمن دون مسكة يدٍ حانية، أو احتضانٍ طويل، أو نظرة متأملة تصل العين بالقلب، أو حديثٍ مونسٍ بأذرعٍ مرحّبة ومتلهفة.
من دون قراءة متمعّنةٍ للوِرد، وترديدٍ خاشعٍ للأذكار، وحرارةٍ في الدعاء، وغمسٍ للخيبة في السجود، وحيرةٍ وتشوّفٍ للرحمة يتقلّب لهما الوجه في السماء.
من دونِ صوتٍ يصافحُ بودّه أسماعنا، وسؤال كيف حالك يخترق دفئه أسوارَ التجلّد والمكابرة.
من دون هذا كلّه؛ الشعور بشيءٍ من التلاشي والاغترابِ هو قدرٌ نستوي فيه جميعًا، مهما ظهرنا لبعضنا وسط الزحام، وادّعينا الالتئام!
هي صعبة، الشغل صعب، والتعامل مع الناس صعب، وإن الواحد يعمل فلوس صعب، والجواز صعب، وإن احنا نروح الشغل كل يوم عشان دخل لا يكفي بردو صعب.
بس سيدنا عمر بن عبد العزيز -رَضِيَ اللَّه عنه- قال جملة تُكْتَبْ بماء الذهب.. قال: لو أنَّ الناس كُلَّما استصعبوا أمرًا تركوه، ما قام للناس دُنيا ولا دين..
فما ينفعش نبطل نعمل حاجة أو نبطل نحاول عشان الحاجة دي صعبة، لأن هي دي الدنيا.