مهما كان التعلق صعبًا، ومهما كان حبي لك عميقًا، فإنني أستطيع التخلي عنك في لمح البصر، يمكنني أن أجعلك مجرد ذكرى، وأحذفك من حياتي كما لو لم تكن موجودًا، لدي القدرة على أن أفعل بك ما لم تفعله أي فتاة أخرى، فطبيعتي تجعلني قادرة على التأثير في الآخرين بطرق لا يتوقعونها، ليس سحرًا أو تعويذة من عالم خيالي، بل هو جزء من شخصيتي، شيء لا أستطيع تغييره ..
كلماتي وحروفي وهمسات صوتي تملك سحرًا خاصًا يجعل من يتحدث إلي يشعر بأنه لا يستطيع أن يتخلى عني بسهولة، حتى وإن لم يكن يدرك ذلك، ربما تكون الحقيقة أنني فتاة هادئة، تملك قدرة فائقة على فهم الناس والتواصل معهم، لكنني أيضًا قادرة على الانسحاب عندما أشعر أنني لا أنتمي، دون أن أتردد أو أضعف، عندما يأتي هذا الشعور، أترك كل شيء وراءي وأمضي قدمًا، لا ألتفت إلى الماضي، ولا أندم على ما تركت وراءي ..
عيناها تذرفان الدمع تضع يديها بين يدي وتعانق جسدي بابتسامة مملوءة بالحزن ما بالها قد أتت، تروي فؤادي بفقر حنانها ألم الفقد وحزن الشوق؟ تركتني منذ سنواتٍ مضت واليوم فقط، جاءني طيفها أقبلت، أبيض كالحلم، قريبٌ من عيني تنظر في عينيّ، وتحرك شفتين ترتجفان تقول : سامحيني ..! سامحيني على دموعك التي سالت بلا نهاية وعلى تعب عينيك الجميلتين في ما مضى ها أنا عدت إليك وعدٌ مني : لن تذرفي دموعك بعد اليوم هل هذا حُلمٌ أم حقيقة؟ أم أن الواقع يصبح أكثر مرارة عندما تعود الذكريات؟
لطالما كنتُ أرتجف خوفًا من فقدان شيء عزيز على قلبي، وها أنا الآن تائهة بين مخاوفي، ضائعة بين ذكرياتي التي لا تهدأ، نعم، أصبتُ بفاجعة رحيلك، وأدركتُ في لحظةٍ قاسية أنني ضعيفة، وأن كل ما بنيته من قوة قد انهار أمام وقع الألم، تنهار مدامعي، ويَرتجف قلبي، فاضت بي الذكريات، وطالت بس الأيام، لا يزال خبر وفاتك عالقًا في ذهني، رحمك الله يا حبيب قلبي، وكأن الحياة قد فقدت بريقها من بعدك، أخاف أن يطول العمر، أخاف أن تبتلعني أحزاني فأضل الطريق بينهما، لستُ من الذين يتبعون الحزن لأنه ليس من شَرع الله، ولا أتبع هذه التقاليد رغم كل شيء، لكن الحزن، في هذه اللحظة، قد أصبح جزءًا مني، هذه الأيام ثقيلة، تحمل في طياتها مشاعر أُحاول أن أتخطاها ..
لم يكن بَالحسبان أن أترك ذلك المنزل المغمور بالذكريات والحب، الذي كان ملاذًا لأيامنا البريئة، حيث كانت الجدرانه تحتفظ بِصوت ضحكاتنا وأحلامنا الجميلة، كان الأمان لنا، نشعر فيه بالسلام والراحة والسكينة، حيث لا شيء يمكن أن يهدد سعادتنا ..
لم أدرك ذلك إلا في وقت متأخر، أنني لن أسترجع أماكن طفولتي، ولن ألتقي تلك الوجوه التي كانت تملأ حياتي بالأمان والطمأنينة، كنت أظن أنني سأظل وأكبر هًناك في غرفتي بين الأشجار المثمرة بالحب من أجدادي، مستوطنة في مكان يجمع كل ما أحببت، لكن الزمن لم يكن يرحم ..
اليوم، لم يعد مصدر الأمان تلك الأبواب المغلقة، ولا أجد تلكَ الجدران التي كانت تحيطنا بحبها، تغير كل شيء، وكأنما كل شيء قد تبخر في الهواء، ولم يبقَ سوى الصمت والفراغ ..
تبين لي أن شعور الغربة ليس مجرد ابتعاد المرء عن الوطن فقط، بل هو أن تجد نفسك غريبًا في مكان كنت فيه يومًا ما، وكل زاوية فيه كانت تشهد على قصصك، أحلامك، وخطواتك الصغيره فيها، قد تعود إلى تلك الأماكن، لتجد أنها أصبحت ذكريات عميقة في قلبك، بينما لا تجد في الواقع سوى كومَة من التراب وبعض الآلات التي تُبني من جديد، تحاول أن تعيد بناء ما تهدم، دون أن تلمس شيئًا من روح الماضي ..
لَم أُصيبَ بِحريق النيران أو شظايا قصف الإحتلال ولكني أراها وأشعر بِها كُل يوم في غزة، في إحدى الأماكن المليئة بالأطفال والشباب في عُمر الزهور وكِبار السن الذين يتمنون الراحَة مِن بعد دهرٍ كامِلٍ مِن الحروب .. في ظُلمَة إحدى الليالي البارِده تشتعل النيران ويبدأ القصف لكي تبدأ صرخات الألم تملئ المكان، تتناثَر أشلاء الناس على الأرض، تختلط قطرات المطر مع دِماء الأطفال .. هُناك من بترَ يده لكي يخرُج مِن تحت الحُطام وهُناك من يُنادي للسماء ولم يعد يتحمل هذه الأِباده هُناك من يخرُج مِن دياره ويترُك روحه بِها كيفَ لي أن أصف لكم عجزي عن الكتابة؟ إبادة بِدم بارد كُل يوم إعتداء على العرض والأرض، فُقدان الأمن والأمان، رُأيت مُرّ الحياة على حقيقتها، البِلاد تتحول إلى ساحة خراب، لا يوجد شعور سِوى الخوف والفُقدان، أتمنى لو إنني احتسي قهوتي على طاوِلتي قُرب إحدى النوافِذ أتصفح على مواقع الإنترنت أرى غزه سماء الكون يحتضنها الأمان .. هل يوجد نِهايَة لِهذه الحرب؟