اليمن والإيمان: تجسيد الحكمة في مواجهة الاستكبار
يكتب: محمد صلاح الأحصب
https://chat.whatsapp.com/Ejf5sl242YQLPWqaMJKJPV
العصر-يعيش المسلمون والعرب اليوم واقعًا مريرًا يتجلى في استمرار معاناة الشعب الفلسطيني من القتل والتشريد، فضلًا عن الانتهاكات المتكررة لسيادة الدول العربية والإسلامية، والتعدي السافر على كرامتهم وقراراتهم من قبل العدو الصهيوني، في ظل صمت مطبق وخضوع مهين. ما يثير الاستغراب أن أغلب الكتابات والتحليلات تقتصر على توصيف هذا الواقع البائس بأشد العبارات قسوة وازدراء، حيث تنهال الانتقادات اللاذعة وتوصيفات الخيانة والجبن على الشعوب والحكومات العربية والإسلامية، مع التفنن في الكتابات النثرية والسجع بضبط أواخر الكلمات لتكون أكثر تعبيرًا عن حالة العرب والمسلمين المنحطة التي وصلوا إليها، والتسابق بين بعض الكُتّاب والأدباء لمن سيأتي بأكثر وأشد الكلمات سوءًا لينعت بها العرب والمسلمين، دون البحث عن جوهر المشكلة ومحاولة إصلاحها، مما لم يُثمر أي تغيير ملموس.
يبدو أن هذه الممارسات الكلامية، على الرغم من صدقها في توصيف الحال، قد أصبحت عقيمة في تحقيق الهدف المرجو منها. فالعرب والمسلمون، بدلًا من الشعور بالعار أو الغضب الذي يفترض أن يجعلهم يتحركون جراء ما يتلقونه من تعيير بذلهم وخضوعهم للكيان الصهيوني، يظهرون وكأنهم قد تقبلوا هذا الواقع واستكانوا له، بل ربما يبدون اعتزازًا غريبًا بهذا الخنوع، وكأن انتقادهم أو تعييرهم بمثل هذه الأوصاف يعد نوعًا من الإطراء غير المقصود.
في ظل هذا الواقع المؤلم، يجب علينا كشعب يمني أن نسأل أنفسنا أمام هذا الخذلان الكبير من قبل المسلمين والعرب تجاه الإخوة الفلسطينيين وقضايا الأمة الإسلامية: ما الذي يجب علينا فعله؟ وما هي مسؤوليتنا؟ لا يكفي أن نكتفي بتوصيف حالة العرب والمسلمين فقط، بل يجب أن نحدد دورنا للخروج من هذه الحالة والتغلب عليها.
من الواضح أن استنهاض همم العرب والمسلمين لم يعد مجديًا، فهم غارقون في الذل والمسكنة، خاصة الجيل الحالي من كبار السن الذين اعتادوا الخضوع والهوان. لذلك، علينا كشعب يمني أن نبني أنفسنا ونحمل على عاتقنا مسؤولية الدفاع عن الأمة، فهذه مهمة عظيمة ملقاة علينا.
لقد بشر النبي، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بمكانة اليمن حين قال: “إذا هاجت الفتن فعليكم باليمن”، وهذا ما أصبح جليًا اليوم. فقد أظهر الشعب اليمني دعمه لفلسطين في جميع المجالات، بدءًا من تطوير القوة الصاروخية والطيران المسيّر والقوات البحرية، التي فرضت حصارًا خانقًا على الكيان الصهيوني، وصولًا إلى التعبئة العامة التي أطلقتها القيادة اليمنية، بتوجيه من قائد الثورة السيد القائد المجاهد عبد الملك بدر الدين الحوثي.
هذه التعبئة الشاملة هدفت إلى تجهيز أفراد الشعب ليكونوا مقاتلين ومجاهدين يدافعون عن الأمة وينتصرون لدين الله، ويثأرون للأخوة الفلسطينيين. وقد شملت هذه الجهود مختلف شرائح الشعب اليمني، من طلاب المدارس والجامعات إلى الأكاديميين والموظفين والأطباء، حيث التحقوا بدورات “طوفان الأقصى” التي رفعت من جاهزيتهم القتالية وخبراتهم العسكرية، لإسناد الشعب الفلسطيني والدخول المباشر إلى جانب المجاهدين في غزة في مواجهة الكيان الصهيوني حتى زواله، وتحسبًا لأي هجوم قد يشنه العدو الصهيوني أو الأمريكي على اليمن.
الشعب اليمني يدرك أن معركته مع الكيان الصهيوني هي معركة شاملة ومستمرة لا تتوقف بتهدئة هنا أو هناك. فالعدو الصهيوني مستمر في عدوانه، والشعب اليمني مستمر في جهاده وانتصاره للمظلومين، سعيًا لإزالة الاحتلال. يتجلى قول النبي، صلى الله عليه وعلى آله: “الإيمان يمان والحكمة يمانية”، في هذا الواقع.
كنت في الحقيقة، قبل مجيء المسيرة القرآنية، أتساءل: أي إيمان وأي حكمة في الشعب اليمني؟ وكان الكثير بنفس الشعور الذي كنت أشعر به يتساءلون بنفس السؤال، لكن الجميع كان يتحرج من هذا الأمر كونه يرتبط بمسألة دينية. وللأسف، لم نكن نعرف أو نفهم المسائل الدينية بشكل صحيح، بل كنا نفهمها بشكل مغلوط نتيجة لابتعادنا عن أعلام الهدى آنذاك.
لكن هذا الأمر كان يعيشه المتأمل لواقع اليمن آنذاك في نفسه، إلا أننا لم نكن نعرف أو كنا ناسين أو متناسين أو غير مستحضرين لهذا الأمر، رغم أن الله قد تحدث في القرآن الكريم في كثير من المواضع عن هذه المسألة الهامة بأن الإيمان والحكمة لا يأتيان إلا بالقيادة القرآنية، فهو لا يأتي مع القيادة المبتعدة عن خط الله وأنبيائه والمقتربة من خط اليهود وأوليائهم. فما الذي قدمناه لفلسطين أو لقضايا الأمة؟ كنت أستغرب وأتعجب.
ولكن مع انطلاق المسيرة القرآنية والتعرف على منهجها في بناء الأمة بناءً شاملاً، تغيرت الأمور.