كنّا وعَينا عمّن انتفعْنا به في التّربيةِ مِن المجرِّبين: أن لا تكن غايتُك أن تُمكِّنَ طلّابَك مِن الثّمارِ، وإن أَطعَمتَهم منها ما يستلذُّون به الثّمارَ، ويعرفون لها الأقدار، ولكن: علِّمْهم كيف يَقطِفون، فإنّ ذٰلك أبركُ لهم وأنفعُ، وأبقىٰ لها وأرفعُ، وكنتُ ضمَّنتُ الحكمةَ «رجَزَ الحافظِ»، ووجَّهتُها توجيهًا يتمِّم غرَضَ المنقول، وذٰلك إذْ يقولُ:

وَاجْعَلْهُمُ يَمْشُونَ فِي الْآثَارِ
لِيَأْخُذُوا الْحِكْمَةَ بِالْإِيثَارِ
وَلَا تُمَكِّنْهُم مِنَ الثِّمَارِ
فَيَطْرَحُوا الثِّمَارَ فِي الْبَرَارِي

والمرادُ: أنّ المعلّمَ ينبغي أن يعدلَ عن طريقِ التّلقينِ لكلِّ شيءٍ، فلا يمكِّن طلّابَه نتائجَ الثّمارِ الّتي كابد في تحصيلِها زمانًا طويلًا، يجعلُها بين أيديهم وهم لا يدركون حقيقتَها، ولا يعرفون منزلتَها، فيضيّعونها، ويرمون بها في الفلَوات، فتضيع الحكمة، بل ينبغي أن يصونَ الحكمةَ، ويحفظَها، ويَسلُكَ بهم مسلَكَ أن يعرِّفَهم الطّريقَ، ويبيِّن لهم كيف الاقتطافُ، ثمّ هم يقتطفون ويستثمرون، وذٰلك أصوَنُ، وأنصحُ، وأدعىٰ أن يتناولوا ما تبلغُه هممُهم، وتدركُه قدرتُهم وحيلتُهم، وأن يَضَنُّوا به وقد اجتنَوه مِن أنفسهم وعرَفوه.

وهٰذه حكمةٌ في مجالِ التّربيةِ والتّعليمِ، بالغةٌ، الفضيلةُ لمَن عَمِل بها سابغةٌ، ولا يقدرُ عليها مِن المدرِّسين إلّا مَن رُزِق مِن الحكمةِ والصّدقِ ومراغمةِ الهوىٰ وسخاءِ النّفسِ حظًّا كريمًا، ومَن نشَأ عليها مِن الطّالبين النُّجباءِ، حتّىٰ طُوِيت عليها جوانحُه، ورسَختْ في معانيها أقدامُه: فإنّه بإذنِ اللهِ يضربُ في الأرضِ بعيدًا، ويكونُ في العَلياء مثلًا شريدًا.

•┈┈• ❀ ❀ •┈┈•

❁ النُّتف