الحقيقة الكبرى في الكون : الله أحد.
الخالق واحد لا شريك له..
وما سواه مثنى وثلاث ورباع وجماعات...
من كل شيء خلق البديع زوجين ...
فالمخلوقات بنيت على الزوجية والثنائية والتعدد...
ذكر وأنثى، سماء وأرض، شعوب وقبائل...وهكذا كل مخلوق له مقابل بشكل أو بآخر...
كل مخلوق له شركاء يعينونه كزوج أو ولد أو صاحب....الخ
من هاتين المقدمتين تستطيع فقه أعظم قوانين الحياة!
كل صلاح في الكون فمرده إلى إعمال تلكم المقدمتين، وكل فساد في العالمين فمرجعه إلى مخالفتهما.
مجرد المساس بمقام الوحدانية الربانية
يعد شركا، وذلك النقص في المقدمة الأولى ينشئ الاضطراب في النفس البشرية،
ويولد الانحراف في فكرها وسلوكها.
إن توجيه وجه العبد لإله واحد يطمئن قلبه ويسكن نفسه ويريح باله، إذ توحيد الغاية والتركيز على إرضاء إله واحد أيسر بكثير من تعدد الآلهة!
كلما حفظ الإنسان المقدمة الأولى(أحدية الإله) اختصر الطريق ووفر كثيرا من العناء والجهد المعنوي والحسي،وحفظ ذاته من التمزق!
إن الشرك عمل شاق مرهق جدا، واكتسابه يستهلك طاقة الإنسان ويمتص قدراته ويشتت توجهاته ويطمس فطرته.
ولقد كان الأنبياء على علم تام بذلك، ولذا تراهم يستفتحون دعوتهم بالتذكير بتلكم المقدمة الفطرية.
أولا نحدد الهدف ونوضح الغاية ونثبت الوجهة ونستقبل القبلة... فإذا استقام لنا ذلك تيسر إصلاح الآدمي بعدها.
حين يؤمن الإنسان بأحدية ربه يكون سَلَمًا لسيد واحد،ويحسم النزاع العبادي في داخله.
القلب البشري مصمم على الحب والذل لإله واحد، وبقدر محافظة الشخص على ذلك التصميم الأولي الأصلي استقرت حياته الجوانية.
ولا يتعب القلب ويرهق الفؤاد شيء
كما يصنع تعدد الآلهة! إذ ذلك يمرض القلب ويفسد مهمته فتدب الفوضى العارمة إثر ذلك في سائر الجسد!
شركاء متشاكسون يحدثون فصاما ذهنيا داخل الآدمي يجعله مشتت العزمات متناقض الوجهات مدمر الإمكانات.
المقدمة الأولى هي صمام الأمان وحجر الأساس في بنيان الإنسان.
المقدمة الأولى وفاء بالعهد الأول،
وارتباط بالميثاق العتيق، وعزم راسخ على العودة إلى مقعد صدق عند الأحد!
المقدمة الأولى هي السبيل الأوحد
لفتح أبواب السماء والعودة إلى الجنات.
إدخال التعدد والزوجية والثنائيات في المقدمة الأولى أشد إفساد لحياة الإنسان.
أما المقدمة الثانية فهي أساس طبيعة شأن المخلوقين!
إذ المخلوق لا يتفرد بذاته، بل هو دوما في حاجة إلى مخلوقات أخرى... ويحكمه قانون الزوجية والثنائية والتعدد...بدءا من آدم وحواء إلى زوال الدنيا...
وانطلاقا من هذه المقدمة الثانية صار مبدأ الوحدة والاتحاد وجمع الكلمة أصلا في القوة والتمكين في الأرض، وأصبح التفرق والتنازع والتقاطع سببا للفشل وذهاب الريح.
ومع تفرد عز الربوبية لا يصلح إلا العبادة،
ومع الضعف البشري والحاجة المتبادلة لا يصلح إلا الاجتماع والتعاون.
كما لخص الشاعر البليغ تلك المقدمتين بشكل موجز مدهش فقال:
الله فوق الخلق فيها وحده
والناس تحت لوائها أكفاء
والدين يسر والخلافة بيعة
والأمر شورى والحقوق قضاء
ومن تجليات تلك المقدمتين أن المخلوقين يتلقون منهاج حياتهم من وحي(الواحد)،
وما ترك الوحي فيه مساحة كان الأمر شورى بينهم، فيوحدون مصدر التلقي في المحكمات القطعيات، ويتعاونون في التعامل مع الظنيات مجتهدين مؤتلفة قلوبهم.
إن الانفراد بالرأي والاستبداد بالقرار وترك الشورى ونبذ التعاون مخالفة صريحة للمقدمة الثانية،وربما أفضت إلى مخالفة المقدمة الأولى، وفي كلٍ فساد كبير.
لقد شرع الحكيم عبادات تحفظ المقدمة الأولى، وأقام نظاما اجتماعيا متكاملا يصون المقدمة الثانية.
الصلاة مثلا عبادة للواحد، تؤدى جمعة وجماعة...
والزكاة نية خالصة للأحد، وتكافل اجتماعي،
والصوم لله، يؤدى حين يصوم الناس ...
والحج لله، ويقام في زمن محدد مع جماعة الحجاج...
وهكذا تلحظ منظومة محكمة تجمع
بين توحيد المعبود،والوحدة بين العباد.
رأسيا يوحدون التوجه إلى الأحد،
وأفقيا يوحدون صفوفهم تعارفا وتعاونا.
إن إدخال الثنائية والجماعة في شأن الإلهية ظلم، وإن إدخال الوحدانية والتفرد في شأن المخلوقين جهل، والخلاص في توحيد الخالق ووحدة المخلوقين!
تلك مقدمتان يقوم عليها البناء الإنساني الحكيم، والسعيد من وحد ربه، وتوحد مع عباد ربه.