السياسة عمل الأنبياء!
(كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء...)
وأمر يتعاقب عليه الرسل ذلك مقام شريف وعمل صالح مصلح تشرئب إليه أعناق أولو النهى.
السياسة ما دخلت شيئا إلا أصلحته!
ولا يقوم بها إلا كبار النفوس عميقو الحكمة بعيدو النظر..
إنه عمل الأئمة! الذين يصلحون ما أفسد الناس!
كل اجتماع بشري قل أو كثر بحاجة إلى من يسوسه، بحيث يبلغه غاية الممكن من المصالح ويجنبه المفاسد.
السياسة قيادة الناس إلى منافعهم، وصناعة البيئة المعينة لهم على التعارف والتعاون.
السياسة يقوم بها أهل النظر الواسع الشامل في المصالح العامة لأي مجموعة بشرية؛ ولذلك لا يمكن لأولي الفكر المحدود والنظر الضيق أن يكونوا ساسة!
السياسة عمل مدني لا عسكري!
إنها حالة تحقق الاستقرار والسلم المجتمعي حيث تلبى احتياجات الناس الأساسية،ثم ينطلق كلٌ في مجاله الذي يسر له، والسياسة تضمن أن الجميع يسير في التراكم المحمود الذي ينفع الجميع ولا يضرهم.
يتفاوت الناس في كل مجتمع ويأتي السياسي ليحدث حالة من التوازن، ويمزج قدرات الناس ليخرج منها مجتمعا خالصا هادئا مستقرا.
السياسة قدرة هائلة على جمع المتفرق وصلة المتقطع وتقريب المتباعد...
من أجل ذلك فلا يطيقها إلا أوسع الناس صدرا وأعظمهم حلما وأكثرهم أناة وأشهدهم سماعا وأوسعهم نظرا وأبصرهم بعواقب الأمور ومآلات الأحداث.
السياسي الحاذق يحسن استشراف المستقبل،ويبصر ما لا يراه غيره، ويرد النهر قبل قومه،والرائد لا يكذب أهله.
السياسي الرشيد لديه ميزان دقيق يرجح به المصالح ويكثرها ويزيل المفاسد أو يخففها.
سريع الغضب أو العجول بينه وبين السياسة بعد المشرقين.
السياسي الحكيم ينزل الناس منازلهم ويؤتي كل ذي حق حقه، ولديه قدرة مدهشة على التغافل والتسامح والتجاوز والتناسي..
وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا
السياسي الراشد قارئ جيد للتاريخ،
يملك مهارة الاعتبار،ويحسن القياس وإلحاق الأمور بأشباهها.
إنه يفقه السنن الكونية تماما ويستطيع قراءة الأحداث في ضوئها ويحسن مراعاتها والانتفاع بها.
السياسة عمادها عقل راجح، والعقل الراجح عماده روح عظيمة تستوعب الناس وتحتوي المختلفين وتصلح بين المتخاصمين.
للمعارك العسكرية أهلها أمام العدو المقاتل،بينما مؤسسات المجتمع المدني لا يجوز أن يليها إلا الساسة المدنيون.
إن طبيعة العمل العسكري القتالي شيء وطبيعة السياسة المدنية مجال مختلف تماما...
إن بناء المجتمعات عمل سياسي لا يحسنه إلا العارفون بطبائع الناس وقوانين الاجتماع.
إن وقوع الممارسات الخاطئة للسياسة عبر التاريخ لا تجعل السياسة فسادا...
بل السياسة فضيلة وضرورة لا غنى عنها،
وإلا لما كانت عمل الأنبياء!