حين دلى إبليس أبانا آدم بغرور أغراه بأنه سينال بأكله من الشجر(ملك)
إذا تدبرت شهواتنا معاشر بني آدم تجد أن أشدها(الملك)
يشتهي الطفل امتلاك لعبة ثم ترتفع شهوة الملك شيئا فشيئا حتى تصل إلى شهوة الملك السياسي!
وبين هذا وذاك يتنافس أكثر الناس في امتلاك أكبر قدر ممكن من الأشياء! ويدور الحديث دوما عن الممتلكات وتكثيرها.....
والحديث هنا عن أعظم ما يمكن للإنسان أن يملكه!! هل فكرت في هذا قبل ذلك؟!
ما أغلى وأهم شيء أملكه؟
ثمة ملك يدركه الحكماء جيدا ،وتجدهم بعد طول فكر وتجارب وخبرة وعمر طويل ينتهون إلى طلبه والحرص عليه والتركيز على نيله!
ملك لن ينازعك أحد عليه ..ولا تستغني عنه!
ملك من أوتيه فقد فاز بفلاح الدارين!
ملكٌ من ناله لن يضره أبدا فقد أي ملك آخر!
أولو الألباب يفقهون الحقيقة،وهي أن ذلك الملك مستحق لبذل الغالي والنفيس لأجل تحصيله!
إنه ملك يغني عن كثير من الممتلكات،ولا يغني عنه ملك!
هو ملك لا ينوب عنك فيه أحد!
وأكثر ما ترى من مشكلات البشر عائدة إلى فقدهم ذلك الملك!
إنه الملك الوحيد الذي يحررك من (الرق) وينقلك من أن تكون مملوكا لمخلوق إلى أن تكون (( ملِكا)))!
إنه أعظم عرش يمكن أن يستوي عليه إنسان في هذه الأرض!
ذلكم أعلى منصب يمكن أن يبلغه آدمي!
وفيه يتنافس العارفون،وحوله يدندن الراسخون، وإليه تهفو قلوب المتزكين!
لا ينال بتعيين ولا بانتخاب ولا بسيف...
إنه مختلف تماما عن الملك السياسي المعروف، وفي ذات الوقت هو أعمق سياسة!
ولكأني بك قد بت متلهفا لمعرفة ذلك الملك...
قبل إخبارك لنتذاكر أنا وأنت ما الإنسان؟
إنه كما يسميه بعض الحكماء:
نبت الأرض وابن السماء!
الإنسان مكون من جانب أرضي طيني
وجانب روحي سماوي!
والملك العظيم الذي يجب عليه الحصول عليه: أن يملك جانبه السماوي جانبه الأرضي!
أن يظل جانبك العلوي عاليا آمرا ناهيا لجانبك السفلي!
أن تسُود معارفك الروحية وتهيمن على عقلياتك الأرضية!
الملك الكبير يا عزيزي هو :
أن تملك(نفسك)!!!
نعم، نفسك بغضبها وحزنها وشهواتها وأهوائها ...
والرق العظيم -حررنا الله منه- أن (تملكك) نفسك!
الرق المهين أن تدع مواهبك العليا، وتصبح أسير طينيتك! أن يسيطر عليك غضبك! أن يتملكك حزنك! أن تطيش بك شهوتك! أن تعم الفوضى مشاعرك! أن يأسرك هواك!
لا أحد من جهة الأصل يرضى أن يوصف بالرق! أو أن يوسم بالعبودية لمخلوق!
وكم قامت حروب وحروب عبر التاريخ للتحرر من الرق!
بيد أن قليلا من الناس انتبهوا إلى الرق الأخطر
والعبودية الأشد إهانة،وهي أن تصبح عبدا مملوكا عند نفسك! عند شهواتك الأرضية! عند أهوائك الطينية!
لقد أهبطت إلى الأرض لاختبار الدور الثاني والفرصة الأخيرة، هل ستصدق الشيطان مرة أخرى وتركز على شجرة الشهوات الأرضية؟
أم تنتصر وتركز على الجنة الفسيحة؟
وفي سياقنا هذا : هل تملك نفسك؟ أم تملكك؟
إن اختبارك قائم على المحافظة على سيادة العالي فيك على الأدنى...
أن يظل صوت الروح..صوت الفطرة..صوت الذكريات الأولى ..صوت السماء..مهيمنا على صوت الطين..صوت الأرض...
ذلكم هو موضوع الامتحان ومادة الابتلاء!
هل تخطط لامتلاك بيت؟شهادة؟منصب؟شهرة؟ ثروة؟ ...لا بأس...
لكن قبل ذلك وبعده ثق تماما أن كل ذلك لا قيمة له إن لم تملك(نفسك) .
تلك القاعدة هي محور حديث الذين أوتوا الحكمة عبر العصور...
ربما تمضي ١٦ عاما للحصول على البكالوريوس
وأخرى لامتلاك منزل ...
ومن المهم والضروري أن تتفكر قليلا:
كم بذلت من الفكر
والجهد
والوقت
والمال
كي تملك نفسك؟؟؟!!!!
كيف أملك نفسي ولا تملكني؟
ذلكم سؤال مصيري في حياتنا!
سأذكر هنا بعض العوامل المساعدة، لكن المقصود أن يسيطر ذلك السؤال على اهتمامك!
١-أن تكثف الصلة اليومية ب(فوق) عبر الصلاة،القرآن،ذكر مالك الملك،الدعاء ...
تلك الصلة تقوي جانبك العلوي وتضمن بقاء ملكك.
٢-استخدام جسدك بأحسن طريقة ممكنة
عبر الرياضة والغذاء الأنفع وليس الألذ...
ذلك سيعينك على إدارة جسمك وضبط شهواتك.
٣-حدد الجوانب التي تملكك فيها نفسك! ثم ابدأ تدريجيا وبشكل واعٍ بالتدرب على أن تملك نفسك فيها حتى تصبح عادة!
ولا تقبل أبدا فكرة(أنا كذا! أنا عصبي! أنا كسول!...) تلك كلمات الرقيق ولا يقولها الملاك!
وأما قبل وأما بعد فتذكر دائما:
من ملك نفسه فسيملك من الدنيا ما ينفعه..
من ملك نفسه تطيب حياته ويهنأ ببقية ممتلكاته
من ملك نفسه قد أفلح،وسيرى ثَم نعيما وملكا كبيرا.
من ملك نفسه فقد فقه المعادلة(رضى مالك الملك،زكاة النفس،نفع الخلق)
من ملك نفسه كان مؤهلا حقا لاستثمار الكون المخلوق لأجله!
إن القوي الشديد المميز بين البشر(الذي يملك نفسه) ذلكم هو القائد الحق،ومن قاد ذاته فسيحسن سياسة العالم.
من ملك نفسه عاد معززا مكرما إلى
مملكة السماء (عند مليك مقتدر).