في رحلتنا الأرضية العابرة القصيرة ثمة ظاهر من الحياة الدنيا يراه الناس جميعا..
ثمة عالم مادي محسوس يشترك البشر في العلم به ...
ثمة أحداث وأخبارها تعرض على الناس عموما..
هناك تاريخ يقال ويدون، وكل يحكيه على طريقته...
سيرتك الذاتية لها ظاهر يدركه كل من حولك...
مظاهر الأشياء والأحداث والأشخاص بل والأفكار يتشابه البشر في معرفتها...
بيد أنك إذا أمعنت النظر وأبصرت بعيني قلبك ستجد عالما موازيا آخر يَسْبح بهدوء في باطن ذلك العالم!
كما أنك أيها الآدمي مكون من جسد مادي ظاهر محسوس،ونفخة روح باطنة خفية ...
كذلك الحياة! لها ظاهر سببي منطقي معقول محسوس،ولها عالم باطن خفي ...
المظاهر المادية تجري على الجميع بحلوها ومرها، وتُداول بين الناس دون استثناء.
كلما أخلد العبد إلى الأرض،وحصر فكره وهمه في سفره العارض بين ولادته الدنيوية وموته صار نظره ظاهريا وقراءته للأمور سطحية ومدى إدراكه للمجريات محدود؛ لأن المساحة التي يتحرك فيها عقله ضيقة لا تسمح بكثير اتساع وبعد نظر.
إنها عملية صغيرة الجغرافيا(الأرض فقط)
وصغيرة التاريخ ( الدنيا فحسب)
ومهما بلغ ذكاء صاحبها فإن معطيات منهاجه ذلك لا تتيح له الطول التأريخي ولا اتساع التفكر الجغرافي!
أولئك قوم لا يعلمون ..وليسوا موضوعنا هنا..
الحديث هنا عن أمر خفي، وحتى يمكنك إدراكه واستثماره لا بد مبدئيا من وعيك بتاريخك الأشمل الذي بدأ بخلق أبيك آدم،وسيظل ممتدا دنيا وبرزخا وآخرة خالدين فيها أبدا! ولا مناص أيضا من فقهك للجغرافيا الواسعة التي يمكنك الحركة فيها بشكل مباشر أو غير مباشر..فأنت نبت الأرض لكنك قادم من علٍ أول مرة،ثم إن السموات بنجومها وكواكبها وأفلاكها وملائكتها.. جزء من مادتك الجغرافية!
إنك مخلوق كريم جدا على خالقه؛ من أجل ذلك خلق لك وسخر كونا فسيحا تشكل الأرض جزءا بسيطا منه...
إن وجودك التاريخي مذهل الامتداد ..ورحلتك الأرضية حلقة قصيرة من مسلسك التاريخي ذي المواسم الطويلة!
حين يتقدم وعيك ويرتقي إدراكك إلى تلك العوالم الواسعة زمانا ومكانا ...
عندئذ ستبدأ بصيرتك في العلم بعالَم عجيب هو عالم(اللطف)!
وهو الجانب الخفي وراء كل حدث
وخلف كل خبر ...
معك الآن النظارة التي تبصر بها ما وراء الحدث وما خلف الكواليس ..
بت تملك الآن الآلة العلمية التي تقرأ بها التاريخ وتفقه بها الجغرافيا!
أنت الآن تملك أعظم وسائل التحليل لسائر وقائع حياتك وأحداث زمانك!
أصل أصيل وأساس قويم تبني عليه سائر عملياتك الباطنة والظاهرة ..
أ تدري ما هو؟
(إن ربي لطيف لما يشاء) يوصل الخير إلى العبد من الطرق اللطيفة(الخفية)
هذه فذلكة قصة الكريم يوسف عليه السلام
تلك خلاصة حكايته وحكاية أمثاله عبر الدهور..
ذلكم تفسير بل وتأويل سيرة الحياة الذاتية!
تلكم أعمق القراءات الفلسفية بأقوى الأدوات التحليلية للتاريخ!
حين تكون زكي النفس يتم تفعيل الجانب الروحي العلوي السماوي داخلك، فيتحرك عقلك بسكينة وهدوء وعمق ليقوم بالقراءة الذكية الزكية لأحداث الحياة!
تلك القراءة تريه ألطاف اللطيف في كل حدث..
إنه مكتسب لملَكة (فقه اللطف)!
فكما يدرك الظاهري قشور الأحداث وسطحي الأخبار يدرك فقيه الألطاف لطف الأحداث وباطن الأخبار!
ذلكم شخص ماهر جدا في رؤية الخير في كل شر، واليسر مع كل عسر!
إنه يتعرض كسائر الناس لحلو الوقائع ومرها وتقلب الأمور ومداولتها ... بيد أن له منهاجه الخاص وأسلوبه الفريد في تلقي الخبر وتحليله والتعامل معه!
أرأيت متخصصا يبحث كل يوم في مجال بعينه؟
أرأيت تاجرا يبيع ويشتري كل يوم في سلعة؟
فقيه اللطف كذلك يمضي يومه وليلته،ويقيم ماضيه ويستشرف مستقبله وفق ذلك الأصل الجميل الجليل (إن ربي لطيف..)
في كل زمان..في كل مكان تجده يلاحظ ويجمع ويدرس ويوظف آيات لطف اللطيف!
إنه إمام في استنباط واستقراء أدلة اللطف الرباني!
لا جرم أن يكون أمره كله له خير!
إنه أحسن قاص وأبرع راوية لقصة حياته بل وقصة الحياة عموما!:
مفتاح (فقه اللطف) عجب عجاب في فتح الأقفال القلبية وإزالة العوائق الذهنية!
املك ذلك المفتاح وادخل من الأبواب ما شئت ولا تخف ... فإنه (master key)
اقتن ذلك المفتاح ولن يخذلك، سيقتحم لك سائر العقبات بسرعة البرق حتى يدخلك منزلك العتيق(مفتحة لهم الأبواب)
إن إدراك لطف ربك بك وقاية ومداواة نفسية عميقة لسائر جراحك وندوبك وآلامك!
حسد الإخوة،البئر،الغربة،الوحدة،الرق،الفتنة،الظلم،
السجن....
كل أولئك كيف تجاوزه صاحبه؟
إن ربي لطيف لما يشاء!
-عزيزي الملطوف به:
إن بوسعك إعادة تشغيل ماضيك وحاضرك ومستقبلك وفق معيار (اللطف)!
آمن باسم الله(اللطيف) ثم وسع نظرك تاريخا وجغرافيا كما سبق ثم ابدأ مقويا حاسة الملاحظة لألطاف الله بك!