وكل أولئك موهوب لك؛ للاستخدام والعمل لا للتعطيل والبطالة!
كل ما في بدنك يا أيها المخلوق المدهش موجود لحكمة ملائمة لدورك المحوري في هذا العالم الواسع!
إن في داخلك عالما موازيا للعالم الخارجي الذي نراه جميعا!
وكما يتحرك العالم الخارجي دأبا،كل يجري في فلكه ويسبح، فإن عالمك الداخلي مصمم ليسبح في فلكه كذلك!
آيات الله في الأنفس يجب أن تتناغم مع آيات الله في الآفاق حركة وعملا!
وذلك ولا بد يستلزم جسورا من التعب هنا وهناك، وإنك قادر على ذلك وأهل له!
وتأكد تماما أن تقصيرك في المتاعب الاختيارية النافعة سيجلب لك المتاعب الضارة الاضطرارية! ذلك قانون لا يتبدل!
خذ مثلا : عقلك الذكي! آلة جبارة للتفكير!
إن لم تتعبه في العلم النافع بطرقه المتنوعة أتعبك بالوساوس الضارة!
عقلك إن لم تشغله بالحق شغلك بالباطل!
إن لم تجهد عقلك في تدبر الأمر والتفكر في الخلق فسيجهدك في الأفكار الضارة الممرضة!
عقلك يعمل دوما! ويجب توجيه تلك الطاقة وذلك الجهد إلى مجالاته النافعة.
قدماك القويتان اللتان تحملان بدنك إنما وجدت لتقوم عليها وتمشي وتجري وتتحرك ...
فإن أهملت ذلك ورضيت بالقعود الدائم أو الغالب داهمتك بالمتاعب والآلام الضارة!
إنها كالسيارة إن لم تستخدم تفسد ...
إن في المشي تعبا ومشقة،لكنها بلا شك أهون من آلام القعود نفسيا وجسديا!
وقس على ذلك سائر أعضائك، ما لم تتعبها لصالحك ستعمل ضدك وللأسف!
إن الماء الذي لا يجري يصبح آسنا!
والجسد الذي لا يتعب ويتحرك كذلك!
القانون واحد.
وخذها قاعدة: كل تعب سلبي ضار سببه
غياب التعب الإيجابي النافع!
كلما حدث لك تعب ضار قف وانظر، ما التعب النافع الذي يجب القيام به؟!
إن من واجباتنا سيادة نفختنا الروحية السماوية على شهواتنا الطينية الأرضية، وإن ضبط شهواتنا وحسن إدارتها وتوظيفها يستلزم قدرا من المشقة، وتلك العقبة التي يجب أن نقتحمها دأبا! وحين ننجح في اقتحامها فإن نفوسنا تشعر براحة النصر!
إن راحة نفوسنا في تعب أبداننا!
وإن من القيام بالقسط أن نقسم المتاعب بين أعضاء بدننا بالسوية؛ لينعم البدن عندها بالراحة الحق!
إن الراحة الحق إنما هي راحة المشاعر،
وهي لب الحياة الطيبة،وكلما أدى كل عضو دوره الذي خلق له وأخذ نصيبه من التعب النافع اطمأن القلب واستقر الفؤاد.
إن عمق الراحة في رحلتنا الأرضية المؤقتة ليس في راحة وسيلة النقل(الجسد)
وإنما في راحة القائد سيدتي الروح!
وسيدتي الروح إنما يريحها قيام سائر الموظفين بأدوارهم اليومية وتمارينهم المطلوبة!
وهذا ما يفسر للدارس البصير صنائع العظماء ومقتحمات النبلاء ومتاعب الكبراء ..كيف استطاعوا تحملها؟ وليس هناك من تأويل سوى أرواحهم الكبار التي أنستها راحتها الكبرى جسور المتاعب!
المشقات عزيزي هي اختبارنا هنا؛ لنحافظ على السيادة... وثق تماما أنك إذا مزجت متاعب الطريق بحلاوة الإيمان والإنجاز استحالت في حقك راحة تامة كاملة!
لقد بدأت حياتك بكبد الولادة، وما زلت تنمو أطوارا، ولكل طور متاعبه، وإن الشجاعة كل الشجاعة والفطنة كل الفطنة ليست في الفرار من متاعبك، وإنما في حسن اختيار متاعبك، وحسن إدارة نصَبك!
إن شرح صدرك ووضع وزرك ورفع ذكرك وتيسير أمرك قائم على تحمل مشاق ذلك،
وإنها للحياة، نصَب ورغباء،
فإذا فرغت فانصب!