فقه طبائع الحياة الدنيا وقوانينها
يساعد كثيرا في حسن التعامل معها...
واحد من تلك القوانين الأرضية الكبرى: النَّصَب!
حين يترف الإنسان يظن أن الهدف الأسمى: كيف أكون مرتاحا؟ كيف أتجنب التعب؟
وحين تسيطر تلك الأسئلة الباطلة على ذهن الإنسان يكون قد أخطأ تماما طريق الراحة!
إن من يرفض المتاعب الاختيارية النافعة سيبتلى بالمتاعب الاضطرارية الضارة!
إننا لم نوجد في هذه الرحلة العابرة لنرتاح،
بل لنتحرك وننصب نصب المسافر!
من عاند تلك الحقيقة فسيعاني طويلا وسيندم كثيرا.
نحن موجودون في الأرض لمهمة،يجب العمل عليها وبذل الجهد في تحقيقها.
إن المسافر لا بد أن يتخذ أسباب التنقل الكافية ليعود إلى وطنه...ونحن في الأرض ذلكم المسافر الذي يجب أن يغذ السير ليعود إلى منزله.
طبيعة الدنيا لم تركب لأجل الراحة،
بل لأجل العمل والتعب!
والعجيب أن الآدمي كلما عمل وتعب ارتاح نسبيا!
إن الحياة الدنيا رحلة، وركاب سفينتها أو طائرتها يجب أن يوطنوا أنفسهم على الحركة ولوازمها... ومتى ما صادموا ذلك الأصل وأصروا على الراحة المبالغ فيها فإن القانون لن يتوقف،بل سيعمل ضدهم!
اتعب مختارا وإلا فستتعب اضطرارا.
يجب أن نتصالح مع هذه الحقيقة، ومن لم يدركها فستعلمه الأيام، بيد أن مدرسة الحياة ستظل تكرر عليك الدرس مرة بعد مرة وربما كانت الدروس قاسية!
ولذا فمن المستحسن أن تعي ذلك مبكرا وتهيئ نفسك للوازمه!
إن المتاعب من أهم معلمي الإنسان،
واللبيب من يختار متاعبه بما ينفعه،
وإلا ستضطره الدنيا إلى متاعب تضره!
عزيزي! ركز معي.. إذا جعلت من قيمك الرئيسية وأهدافك: الراحة! فنصيحة محب: اشطب ذلك الهدف فورا!
الدراسة المريحة، الوظيفة المريحة، الزواج المريح.... احذف تلك الصفة؛ لأنها مناقضة لما بنيت عليه الدنيا!
إن طلب الراحة مدمر لروحك مرهق لعقلك ممرض لبدنك مقعد لك عن المعالي!
إن تركيزك اليومي على الراحة يجعلك عنصرا شاذا عن الكون، معاكس لبرنامج الرحلة الدنيوية العابرة!
إن السفر لا يحتمل سوى راحات عارضة، لكن أن تظل ملحا على الراحة في الرحلة فلن تفلح!
منطقة الراحة هي السجن الذي ستأسر نفسك خلف قضبانه! وللأسف ستصبح هي ذاتها منطقة التعب الكبير!
إن التربية على الراحة تنتج معاقا مشلولا ضعيف الهمة كَلٌّ على غيره لا يقدر على شيء،
وإنها للمورثة للمتاعب الكبرى باطنا وظاهرا!
وقدَر الإنسان أن يكون في الأرض خليفة، والسموات والأرض مسخرة له، وقد فضل على كثير من الخلائق تفضيلا!
ومن حاله كذلك لا يليق به أبدا أن يكون همه الراحة! إذ من سيستثمر المسخرات ويعمر الأرض؟؟!!
وذلك المخلوق المكرم كبير النفس بدهي أن تتعب في مراده الأجسام!
إن من عظمت مواهبه واتسعت ثروته يجب أن يقوم عليها ويرعاها وإلا خسرها وصارت وبالا عليه!
وإنك أيها الآدمي ذو مواهب هائلة وإمكانات عظمى، وليس أمامك إلا النصب ثم النصب لترعاها حق رعايتها!
دع المكارم لا ترحل لبغيتها
واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
ذلكم سب مقذع ووصف قبيح لا يليق بسيادتك!
إن أعظم إساءة ل عداء سريع أن يعامل كمقعد!
وإن أكبر أذى لسيد أن يعامل كعبد مشلول!
إن المبالغة في حماية الشخص من التعب توقعه في أعظم المتاعب حاضرا ومستقبلا،ظاهرا وباطنا!
وإنه محال أن تجد غلاة الراحة هانئين بحياتهم! ذلك أمر مستحيل! إذ قد ربط الهناء في هذه الرحلة الأرضية المؤقتة بحسن العمل! وحسن العمل لا يتأتى إلا بشيء من التعب الاختياري النافع!
أصل رئيس في الملل والاكتئاب والضيق والقلق والمشاعر المؤذية:الغلو في الراحة!
حين تبالغ في الراحة أو يدفعك غيرك إلى ذلك فإن ذلك يحط من قدرك وينزلك من مكانتك العلية ويعطل مواهبك! إنها إهانة الإهانات! وهي مجلبة التعاسات!
إنها إخراج من الملعب إلى المدرج وأحيانا إلى خارج الملعب تماما! هذا وأنت لاعب ماهر قادر على صناعة ألعاب الحياة!
إن البديع الوهاب صنع في أنفسنا عوالم كبرى؛ لنحسن استثمار عوالم الآفاق العظمى!
وإن المتدبر لتاريخ بني آدم يجد أن روائعهم لم تأت إلا على جسر من التعب!
أرأيت لو أنك أعطيت مدينة من المدن ملكا لك،وقلت هذا أوان الراحة! ولا حاجة للنصَب! هل سيرضى عنك من أعطاك؟ أم هو يرقب منك تحمل شيء من المشاق للحفاظ على تلك الهبة المهمة؟!
إن من يخرجك من دائرة الدلال، ومنطقة الراحة، وبيئة الترف ... إنما هو شخص يثق بمواهبك ويحترم قدراتك ويوقن بأنك من القادرين على التمام ...
ربما يتعبك حينا... لكنه إنما يريحك في حقيقة الأمر!
وتالله لقد صدق الحكماء قديما وحديثا حين داروا حول مبدأ بسيط عميق (اتعب لترتاح).
ودلت التجارب أن الأمور النافعة بدايتها تعب ومشقة، وعاقبتها لذة وظفر!
تعبت من قسوة قلبك انصب في العبادة لتفلح
تعبت من مرض بدنك انصب في الرياضة لتصح! وهكذا...
الآن تدبر معي عزيزي الإنسان الآتي:
لقد سواك البارئ وعدلك وركبك وأودع في جسدك الكريم عشرات الأعضاء ومئات المفاصل وملايين الخلايا وعديد الأجهزة ...