View in Telegram
خلق الله آدم مزيجا من صفات شتى! ليس ملكا لا يعصي، وليس شيطانا عاصيا أبدا! إحدى تلكم الصفات التي لا ينفك عنها بنو آدم: الخطأ! جانب رئيس في تركيبنا معاشر البشر : الخطأ! أنت تخطئ> إذًا أنت إنسان! الخلاق العليم برأنا على هذه الطريقة ( خطاؤون) حين بدأت رحلتنا الأرضية إبان خطئنا الأول،بقيت فينا تلك القابلية للخطأ، واستمرت جزءا لا يتجزأ من طبيعتنا! وإن فهم الإنسان لطبيعته وطبيعة سائر بني آدم مفتاح أصيل في التزكية طهارة ونماء! وإن إدراك سنة الله في خلقنا يعيننا في الوعي بأنفسنا، وعلينا مراعاة سنة الخالق وعدم مصادمتها! ودل الوحي والتاريخ أن تجاهل سنة الله فينا يجعلنا في صراع مرير مع الحياة وفصام نكد أمام الحقيقة! يجب أن نؤمن ونسلم ونقبل أننا مخلوقات تخطئ! وحين نهمل تلك الحقيقة ونتوقع الملائكية المعصومة نكون كمن خُلقَ نباتا ويريد التصرف كحيوان مثلا .. أو خلق ضفدعا ويريد التصرف كطائر! نحن مخلوقات تخطئ! قاعدة مهمة في التعامل مع أنفسنا كآدميين! ويجب التصالح معها وتذكرها ومراعاتها على كل حال. إذا فرغنا من تقرير ذلكم الأصل الأصيل ندلف بعد ذلك إلى الخطوات الآتية. ما منفعة الخطأ؟ وكيف نستفيد من ذلك الجانب الأساسي في شخصياتنا؟ عد معي إلى الوراء قليلا حين خرجت من بطن أمك طفلا... إلى أعوامك الأولى في الحياة .. كيف تعلمت الكلام؟ كيف اكتسبت مهارة المشي؟ كيف بدأت تسمع وتعقل؟ كيف بنيت مهاراتك الأساسية؟ ببساطة عزيزي لولا(الأخطاء) الأولى لربما كنت الآن أبكم مشلولا أصم ...! في تلكم المرحلة المبكرة ألهمك الحكيم العليم أن طريقك إلى العلم والعمل،إلى الفكر والتطبيق ...قائم على (الخطأ)! إن أخطاءك النطقية الأولى هي التي أسست فصاحتك اليوم! إن سقطاتك الأولى هي التي أكسبتك اليوم مهارة المشي والجري والقيام والحركة! إن أخطاءك المبكرة في فقه ما تسمع هي التي طورت حاسة الفهم لديك اليوم! وهكذا ترى أن الخطأ ثم الصواب أسلوب فطري أصيل من أساليب تعلمك وتعليمك يا لبيب! أرأيت موضوع العلوم التجريبية، على ماذا تقوم؟ببساطة... على الخطأ والخطأ ثم الصواب! هل تسمع عن التجارب الكيميائية،الفيزيائية،الرياضية....الخ كل تلك المنظومة مستقاة ابتداء من طريقة الطفل الفطرية في التعلم! قلب ناظريك فيما حولك من المكتشفات وأولها جوالك الذي تقرأ كلماتي عبره وأمثاله... ما مبدأ تلكم المكتشفات؟ محاولات اكتنفها عديد من الأخطاء حتى وصلت إلى الصواب! إن الخطأ أمارة على أنك حي،متحرك،عامل... ومتى عدمت أخطاؤك فاقدح فورا صافرات الإنذار وأعلن حالة الطوارئ؛ لأنك حينها في حكم الأموات المفقودين! على المستوى الفكري العلمي النظري لا بد من الخطأ لتصل إلى صواب هنا أو هناك ... ما لم تخطئ ثق تماما لن تتعلم ... وعلى المستوى العملي التطبيقي لا مناص من الخطأ حتى تتطور وتكتسب(الخبرة). سئل أحدهم عن سر نجاحه فقال: القرارات الصائبة! قيل: كيف وصلت إليها؟ فقال: بالخبرة! قيل: كيف وصلت إلى الخبرة؟ قال: بالقرارات الخاطئة!!! وهذا وربي كلام عميق جدا في طبيعة تطور الإنسان علما وعملا. عزيزي الإنسان لدي ولديك عادة شيء من المخاوف... بيد أن من أشدها ضررا وأمنعها للتحسن: الخوف من الخطأ! لأنه ببساطة يمنعك الحياة! يعيقك عن التقدم! يصيبك بالشلل! يردك إلى أرذل العمر ولو كنت في العشرين! يجب القضاء على ذلك الخوف أو إضعافه إلى أقصى حد! وسبيل ذلك تذكر عواقب الأخطاء كدروس نافعة، وتذكر أن كل الناس مثلك يخطئون ويخطئون الليل والنهار ..فلست وحدك من يخطئ! ومع الأيام بدأت أتبنى مبدأ في تقييم الناس: ما الأخطاء التي مررت بها؟ وما الدرس من كل خطأ؟ إذ كونه لم يخطئ يعني> لا علم> لا عمل>لا خبرة.. إن الخطيئة كل الخطيئة أن لا تخطئ! إذ معنى ذلك أنك رفضت نعمة الحياة والتعلم والعمل ....! حسنا، لكن النظام التعليمي المعاصر يقوم على نبذ الخطأ؟! حلو، كذا أنت بدأت تفهم... ذلك النظام يا حبيبي من حيث الجملة لا يريدك عالما عاملا، وإنما بحكم كونه ذا طابع صناعي فقد احتاج إلى (موظفين) وأولئك الموظفون يراد منهم حفظ معلومات معينة وأداء مهارات محددة في إطار معين لا يتجاوزونه بحال... لا جرم والحال كذلك أن يعتمد مبدأ (التلقين) وتجريم الخطأ، لأنه يدرك تماما أن اعتماد أسلوب التجربة والخطأ والصواب يعني تطور تفكيرك وسلوكك خارج صندوقه! وهذا ما سيصيب منظومته بالضعف أو الانهيار! لقد برمجت المنظومة التعليمية المعاصرة من حيث الجملة إنسان القرن العشرين والحادي والعشرين على أن يكون طالبا ثم موظفا قوي الحفظ مستقبلا للتلقين ثم مطيعا للأوامر دون حوار... ثم بلغ بها الأمر اليوم أن تستغني بأدوات الذكاء الاصطناعي شيئا فشيئا عن (الإنسان) وهذا مآل طبيعي لمنهاج التعليم وأسلوبه!
Telegram Center
Telegram Center
Channel