View in Telegram
شعارنا عشنا كما أراد الله ومتنا وهو راضٍ عنا في هذه الأيام العصيبة، تخوض غزة حربًا لا تكافؤ فيها، مواجهةً عالمًا ظالمًا ومتجاهلًا لصوت الحق. هي حرب قاسية، جوع فيها الناس، وخسروا بيوتهم وأحلامهم، لكنهم لم يخسروا شيئًا أعظم من ذلك. لم يخسروا نصرهم الأكبر، نصر رضا الله. فالنصر في ميزاننا ليس ما حصدناه من نتائج أو انتصارات دنيوية، بل هو أن نحيا ونتحرك ونمضي كما أراد الله، مستمدين القوة والثبات من الرضا الإلهي وحده. إنَّ هذه الحرب ليست ككل الحروب، لقد تجاوزت حسابات القوى والنصر العسكري، وارتقت لتصبح اختبارًا حقيقيًا لإيمان الناس وصبرهم وثباتهم. تمامًا كما كانت غزوة الأحزاب حين أحاطت قوى الكفر والباطل بالمدينة، وجاءت جموع الأحزاب، وبدت الهزيمة على الأبواب، قال الله تعالى: "وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا" (الأحزاب: 10)، لقد كان الموقف صعبًا ومهولًا حتى على المؤمنين، لكن الله ثبتهم، لأنهم كانوا على حق، وكانت نياتهم صافية، يسعون لرضاه وحده. وبهذا الإيمان والصبر، أعانهم الله وهزم الكفر وكفى المؤمنين القتال. وكما قال الله في تلك اللحظة: "وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا" (الأحزاب: 25)، قد يتكرر المشهد اليوم، وتتكرر ظروفه، وكأن غزة صارت مدينة الأحزاب المعاصرة. قوى الباطل اجتمعت، والضعفاء والمظلومون محاصرون، لكن يقيننا أن الله سينصر الحق كما فعل في غزوة الأحزاب، وكما فعل في كل موضع ارتفعت فيه قلوب المؤمنين بدعائهم لله وثباتهم على الحق. وهنا، تتجلى لنا حقيقة النصر كما أرادها الله: ليس النصر في موازين الدنيا بما نحصل عليه من انتصارات أو مكاسب؛ النصر هو أن نمضي في الطريق الذي أراده الله لنا، وأن نسلم قلوبنا له، ثابتين على طاعته، مستمسكين بأوامره، متمسكين بصبر الأنبياء وصمود الصالحين. ونحن في غزة، وفي كل أرض تقاوم وتؤمن بحقها، نؤكد لكل من حولنا أننا لم ندخل هذه المعركة لنكسب أرضًا أو نصيبًا من دنيا فانية، بل دخلناها لإحقاق الحق، وللدفاع عن كرامتنا وعن مقدساتنا، ولتحقيق رضا الله في كل خطوة نخطوها. ففي كل لحظة نصمد، ونكابد، ونتحمل الجوع والخوف وفقد الأحبة، نقترب خطوة نحو رضا الله. وهذا هو النصر الحقيقي؛ هو نصر لا تقاس قيمته بالنتائج المادية، وإنما يُقاس بنقاء القلوب وصبرها. يا أهل غزة، ويا كل من يعاني تحت نيران الظلم: تذكروا أن الله معكم، هو الذي قال: "إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" (البقرة: 153). اصبروا واحتسبوا، فكل خطوة تحملونها على طريق الحق هي خطوة نحو رضا الله. كل دمعة في الخفاء، كل دعوة ترفعونها، كل جائع يحتسب، كل أمٍّ تحتضن أطفالها في الخوف والجوع؛ جميعهم في ميزان الله عمل صالح، وصمود مبارك. إن هذا الصمود، الذي ينبع من إيمان عميق بالله وثقة في عدالته، هو الذي يرفعنا، وهو الذي يجعلنا نردد: عشنا كما أراد الله، ومتنا وهو راضٍ عنا. د.ميسرة ماهر فروانة
Telegram Center
Telegram Center
Channel