في هذا المحيط كل شيء يدعوك للرياء والتشبع والفخر والخيلاء وإحباط العمل؛ التصوير، الكتابة، حسابات وسائل التواصل، حتى المجالس الخاصة صارت لتمجيد الذات، والتباهي بالنفس، ولتفكه كل واحد بإنجازاته وانتصاراته، إلى أن صار همُّ الجليس أن يفحم جليسه بسيل من الكلام عن نفسه وتطوراته وما صنع وما قدم وما تفوق، على صعيد الدنيا والدين، امتلأت الأجواء تصنعاً وتجملاً، ترى سباقاً في محاولة لفت الأنظار، وجلب الأضواء، والقليل من يحفظه الله من مثل هذا. فخير لك والله، في مثل هذه الأجواء المفعمة برائحة العجب؛ أن تعود نفسك على الإنجاز ولكن بخفاء، في غياب عن أعين الناس، وإذا سألك أحدهم ما جديدك؟ فقل: لا شيء، لا جديد؛ وأنت تخفي وراء ذلك إنجازات عظيمة بينك وبين الله، انتصارات في ميزان الإله، لا في ميزان البشر، تعرج بك في مراقي الخلود...
في زمنٍ القلمُ فيهِ أمضَىٰ من السَّيفِ كانَ لِزامًا علىٰ المرءِ أن يلزمَ ثغرَه ويصوِّبَ عبارَتَه، وأن يُسِدِّدَ كلماته رجاءَ أن يُصيبَ الحقَّ ويكون تابِعًا له وينقُض الباطِل ويفنِّدَه، صابِرًا علىٰ ما به من الجِراحات والمُصاب، مُخلِص النِّيَّة قاصِدًا نصرة اللّٰه ورسوله ﷺ مُحتسِب الأجرَ...
ولا شيء يُطمئنُ نفسَ المؤمنِ إلا أنَّ أمرهُ كُلَّه بيدِ خالِقه ومالِكه ومُدبِّر شؤونه، إن عزَّ به الخطب، وطالَ به البلاء، وحلَّ عليه الأسى، تذكَّر إنما هو هيِّنٌ بلُطفِ مولاه، يسيرٌ برحمته، مُنفرجٌ بقُدرته جلَّ جلاله، ومن رُزقَ اليقين في هذا سكَنت نفسهُ، وسلَّم بالرِّضا قلبه...
أحب أن أكون على مقربة من الناس الذين يتّقون الله في أصغر الأمور، مثل أن يحبس ردًا في صدره، ويكظم غضبه أو أن يشيح بنظرهِ للطّرف الآخر، خشية أن يخدش قلبًا، وألا يحتقر شعورًا ولا يترك مُحتاجًا، الذي يرخي بينما الظّرف يتطلّب الشدة، لا يخذل صديقًا أو يُشعره بالتملّل ويرميه بالتقبيح...
إيّاكَ أن تُجرّب ربك... متى آخر مرة اهتزّ فيه قلبك، واضطربت أركانك، وتمتمَتْ فيه شفاهك بكلمات العهد لمولاك، هل كان ذلك على متن طائرةٍ مضطربةٍ في منتصف السماء؟ أم في ساعة يأسٍ وأنت ملقىً على أحد أسرّة المستشفيات؟ أم في لحظة فزعٍ وترقبٍ لخبرٍ يتغير به مسار الحياة؟ أم في الأرض وهي تموج تحتك ؟ أنت تعلم الجواب...
وتعلم أيضا أنه كلما مرّ الوقت، ولسببٍ ما، تنتقل تلك الحادثة إلى طيّ النسيان، وكأنها لم تكن قط، فويلٌ لهذا الإنسان الظلوم الجهول، إذ يكون إقباله على مولاه بحسب ما يصيبه من الخير والشر، وويلٌ له إذ ينسى، أنّ العهدَ كان مسؤولا.. يوم ينظر المرء ما قدمت يداه، ويعلم -حينها- أن تلك الأحداث كانت حججا عليه...
إن انتظار المعركة أصعب من المعركة نفسها، وكلما طالت المدة في المرابطة بدأ الملل يتسرب إلى النفوس المتوقدة، ويبدأ الحماس يخبو يوما بعد يوم، ولهذا ينصح باستثمار وقت الرباط في العبادات والزاد الروحي، بما يحفظ على النفوس حماسها، ويؤجج شوقها للمعركة، خاصة أولئك الذين يفدون إلى الثغور من الأمصار البعيدة، فطول المكث من غير معركة يفتح لهم باب التفكير بالرجوع إلى الديار، ويزين لهم الشيطان غلبة مصالح ذلك على البقاء".
فأهم ما تقضى به هذه الأوقات بعد الإعداد العسكري: كتاب الله، فاقرأه بنية جهاد العدو به، قال تعالى: { وَجاهِدهُم بِهِ جِهادًا كَبيرًا }
الأخلاء المتَّقون هم بهجة الرُّوح إذا ذَوَت، وقوَّة النَّفس إذا وَهَت، فاجتماعك بهم يشدُّ أزرك، ويُقوِّي عزمك، وينفعك في الآخرة كما ينفعك في الدُّنيا، قال الله تعالى: ﴿الأَخلَّاۤءُ یوۡمَىِٕذِۭ بعۡضُهُم لبعضٍ عدوٌّ إِلَّا المتَّقين﴾
من نِعم الحياة رفيقًا هيّنًا ليّنًا، سكنًا وسندًا وعونًا.. رفيقٌ يعرف كيف يطيِّب الخاطر ويبدُّل الحزن فرحًا والخوف أمنًا.. رفيقٌ يجد المرءُ فيه ملاذهُ الذي يفرُّ إليه كلما تكالبت عليه أعباءُ الحياة...
#نصيحة إذا لمستَ في أخٍ من إخوانك حبَّ الآخرة وإرادتها والسعي إليها ، وبغض الدنيا والترفع عنها ، فتمسّك به فهو ذخرٌ عظيم، وكنزٌ ثمين، في زمنٍ طغت فيه المادةُ على قلوبِ الكثير واللهُ المستعان. نسألُ الله أن يجمعنا بالصالحين...