حافِظ على وَهجِ ضميرِك الحيّ ألَّا ينطفئ، أن يبقَى متيقّظًا إذا ما مالَت تلكَ الخُطوات إلى طريقٍ لا يُرضي الرَّحمٰن.. ذلك الذي ينبِّهك إن أخطَأت، ويُبغِّض إليكَ السُّكون إلى مراتِع الذَّنب وإن وقَعت به، فيَستحثُّك إلى الأوبَة والرُّجوع كلَّما كَبَوت.. تمسَّك به إلى الرَّمق الأخِير، هو دَليلُك الأثمَن، ونورُ بصِيرَتك!
كان مَعدُومَ المَال ولكِن غنَي النَّفس، ضئِيل الجسَد ولكن ذائِع الصِّيت، ومَستور المَكانة ومغمُور الجَاه، فأبدلَه اللّٰه بذلك كلّه شرفًا وعزًّا، وعلمًا وعملًا، ومحبَّة في قلوبِ النَّاس، ومنزِلة في نفوسِ المتَّقين.
إنَّه الصَّحابي الجَليل عبدُاللّٰه بن مَسعود الهذلي رضِيَ اللّٰه عنه، صاحِب رسول اللّه ﷺ في حلّه وتِرحَاله، وأوَّل من صَدح بالقُرآن الكريم على رؤوسِ المَلأ بمكَّة ونالَه من ذلك أذىً كثيرًا، وهو الذي قامَ بالإجهاز على أبي جَهل يوم بدرٍ وحَمل رأسَه إلى المُسلمين ليُبشّرهم بمقتَل عدوِّهم.
وفضائلُ هذا الصَّحابي الجَليل وخِصاله أكثر من أن تُعدّ وتُحصَى، انضَوت كلُّها داخِلَ جسدٍ صغيرٍ ذي قامةٍ نَحيلة لم تزَل موضِعَ عُجبٍ وتسَاؤل، واستِغراب وتنَدّر!
أنَّه كان يجتَني سواكًا من الأرَاك، وكان دقيقَ السَّاقين، فجعلَتِ الرِّيح تكفؤهُ، فضحِكَ القَومُ من دِقَّتها وضَعفها، فـ سألَهُم رسولُ اللّٰه ﷺ: ممَّ تضحَكون؟ قالوا: يا نبِيَّ اللّٰه من دِقَّة ساقَيهِ، فقال: والذي نفسِي بيدِه لهُما أثقَل في المِيزان من أُحُد -أي جَبَل أُحُد-
عن أبِي الأحوَص قال: قال عبداللّٰه: لا يقرأ القُرآن في أقلِّ من ثلاثِ ليالٍ، واقرؤوهُ في سَبْع ليالٍ، وليُحافِظ الرَّجلُ في كلّّ يوم وليلةٍ على جُزئِه.