"رُبَّ قَائِلٍ يقول: كيف لا يفسق هؤلاء وقد خالفوا بتأويلهم النّصوصَ من الكِتابِ والسُنَّة؟
فنقول: قَدَّمْنَا ما يمنع تسميتهم فَسَقَةً شَرْعًا وَلُغَةً ...
وبالجُملة فهم مخالفون بنظر غيرهم، وأما عند أنفسهم فغيرهم هو المخالف وهم الموافقون!
وحاشا لمؤمن عالِم أن يخالفَ كِتابًا أَوْ سُنَّةً عَامِدًا مُتَعَمِّدًا، فهم مجتهدون مُثابون؛ إذ لم يَأْلُوا جهدًا فيما ذهبوا إليه، وإن كنتَ لا تقول به، وترى الحُجَّةَ فيما أنت عليه!
على أنّ ما تسمّيه أنت نَصًّا هم يرونه ظاهرًا؛ إذ دعوى نَصِّيَّةِ الشّيء ليست بالأمر اليسير، لأنّ النّصّ هو القاطعُ في معناه، المفيدُ لليقين في فحواه، وهذا إنّما يكون في محكَمات الدّين وأصوله الّتي لم يختلف فيها الفِرَقُ كُلُّهَا، وأمّا ما عداه فكلُّها ظواهر، وقد يَراها البعضُ باجتهاده نَصًّا، وليس اجتهادُ مجتهد بقاضٍ على اجتهاد آخر.
وعلى من يريد تحقيق هذا أن يراجع مطوَّلات الخلاف، ويطالع مآخذ المجتهدين، ومن أنفع ما ألف في هذا الباب كتاب (رفع المَلام عن الأئمّة الأعلام)، لشيخ الإسلام تقيّ الدّين بن تيميّة رحمه الله؛ فإنّه جدير لو كان في الصِّين أنْ يُرْحَلَ إليه، وأنْ يُعَضَّ بِالنّواجِذِ عليه!
فرحم الله مَن أقامَ المعاذير للأئمّة، وعلم أنّ سعيهم إنّما هو إلى الحقّ والهُدَى كما أسلفنا، وبالله التّوفيق".
جمال الدّين القاسميّ، (الجرح والتّعديل)، ص26.
#أصول
#إنصاف
#مهمات