سيرة النبي محمد ﷺ خاتم الأنبياء والمرسلين
التي ينبغي معرفتها وحفظها ونشرها وتعليمها لهذا الجيل والحرص على العمل بها بقناعة وحب .
"قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله"
في هذا الحَديثِ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «صَلُّوا أيُّها النَّاسُ في بيوتِكم؛ فإنَّ أفضَلَ الصَّلاةِ صلاةُ المَرءِ في بَيتِه إلَّا المكتوبةَ»، وهذا واضحٌ في أنَّ الأفضلَ في النَّوافلِ أن تُصلَّى في البَيتِ، وهذا عامٌّ في جميعِ النَّوافلِ والسُّنَنِ، إلَّا النَّوافلَ الَّتي هي مِن شِعارِ الإسلامِ؛ كالعيدِ، والكُسوفِ، والاستِسقاءِ، وكذا ما يختصُّ بالمسجِدِ؛ كرَكْعتَيْ تحيَّةِ المسجِدِ. فإنْ قيل: إنَّ رسولَ الله ﷺ صلَّى بالمسجِدِ النافِلةَ، فيَلزَمُ مِن ذلك أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَكونُ تاركًا للأفضَلِ؟ والجوابُ: أنَّه ﷺ صلَّاها بالمسجِدِ للتَّعليمِ، ولبَيانِ جَوازِ صَلاتِها في المسجِدِ، والنبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذا فَعَل شَيئًا للتَّشريعِ يَكونُ أفضَلَ في حقِّه، وإنْ كان في حقِّ غَيرِه أَدْوَنَ. وقد حثَّهم ﷺ على التنفُّلِ في البَيتِ؛ لكَونِه أخْفى، وأبْعَدَ عن الرِّياءِ، ولِتَحصُلَ البَرَكةُ للبَيتِ بذلك، وتَنزِلَ الرَّحمةُ فيه، ويَنفِرَ الشَّيطانُ.
في هذا الحَديثِ يَحكي عبدُ اللهِ بنُ عُمرَ رضِي اللهُ عنهما أنَّه: "جاء رجلٌ إلى النَّبيِّ ﷺ فقال: يا رسولَ اللهِ، كَم نعْفُو عن الخادِمِ"، أي: كم مرَّةً عند ارتِكابِهِ فِعْلًا خاطِئًا أو أمرًا خلافَ الَّذي نأمُرُه؟ "فصمَتَ" أي: فسَكتَ النَّبيُّ ﷺ ولم يُجبْه، قيل: إنَّ صَمْتَه ﷺ إجابةٌ؛ لأنَّ العفْوَ أمرٌ مقَرَّرٌ شرْعًا؛ فلا حاجَةَ للسُّؤالِ عنْه، وقيل: كان مُنتظِرًا للوَحْيِ في تلك المَسألَةِ، "ثمَّ أعادَ" أي: السَّائلُ "عليهِ" أي: على النبيِّ ﷺ "الكلامَ" أي: هذا السؤال، "فصَمَتَ، فلمَّا كان في الثَّالثَةِ" أي: لَمَّا أعادَ عليه الرجُلُ السُّؤالَ للمَرَّةِ الثالثة، أجابَه النَّبيُّ ﷺ فقال: "اعْفوا عنه في كلِّ يَومٍ سَبعينَ مرَّةً"، وهذا العددُ للكثرةِ لا لبُلوغِ مُنتهَى العددِ، وهذا كنايةٌ عن العفوِ الدَّائمِ عن الخادمِ، مع إرشادِه إلى الصَّوابِ وتأدِيبِه، وهذا مِن رَحمتِه ورِفقِه ﷺ بأُمَّتِه. وفي الحَديثِ: الحَثُّ على العفْوِ عن الخطَأِ والزَّلَلِ في الأُمورِ الَّتي لا تَنْدرِجُ تحتَ المَناهي الشَّرعيَّةِ
جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ اللهِ، كم نعفو عن الخادمِ فصمَتَ، ثم أعادَ عليه الكلامَ فصَمَتَ، فلما كان في الثالثةِ قال: ( اعفوا عنه في كل يومٍ سبعين مرةٍ ).
الراوي: عبدالله بن عمر. المحدث: الألباني. المصدر: صحيح أبي داود. الصفحة أو الرقم: 5164. خلاصة حكم المحدث: صحيح.
كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حَريصًا على النَّوافِلِ مُواظِبًا عليها، وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أشدَّ حِرصًا ومُواظبةً على ركعَتَي الفَجرِ، كما يُبيِّنُ هذا الحديثُ، حيثُ تَذكُرُ أمُّ المؤمنينَ عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لم يكُنْ أشدَّ «تَعَاهُدًا»، أي: حِرصًا وحِفاظًا ومُتابَعةً، مِن حِرصهِ وتَعاهُدِه على رَكعتَيِ الفَجرِ، وهما الرَّكعتانِ بيْن الأذانِ والإقامةِ لصَلاةِ الصُّبحِ؛ فقد كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شَديدَ المُعاهَدةِ على النَّوافلِ جَميعِها، إلَّا أنَّ شِدَّةَ تَعاهُدِه على رَكعتَيِ الفَجرِ يَزيدُ على غَيرِها مِن النوافلِ؛ فكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لا يدَعُهما قَطُّ سواءٌ في حضَرٍ أو سفَرٍ، وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقضِيهما إنْ فاتَتا أداءً. وفي الحديثِ: بَيانُ أهمِّيَّةِ رَكعتَيِ الفَجرِ، والحثُّ على المُواظَبةِ عليهما.
في هَذا الحديثِ يُخبِرُ أبو موسى الأشعريُّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ بعضَ الصَّحابةِ قالَ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «الرَّجلُ يُحِبُّ القومَ ولَمَّا يَلحقْ بِهمْ»، أي: إنَّ الرَّجلَ يُحِبُّ قومًا صالِحينَ مُجتهِدينَ في العبادةِ ولَكِنَّهُ لا يَستَطيعُ أنْ يَعمَلَ بِمِثلِ عَملِهمْ مِن أَعمالِ البِرِّ والخَيرِ، فَماذا يَفعَلُ يا رَسولَ اللهِ؟ فأجابَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قائلًا: «المرءُ معَ مَنْ أَحبَّ»، أيْ: لا تَخَفْ ولا تَجزَعْ؛ فلنْ يَضُرَّكَ سَبْقُهم إيَّاكَ ما دُمتَ تُحِبُّهم وإنْ كنتَ مُقصِّرًا عنْهُمْ في فِعلِ الخَيراتِ؛ فمَن أحَبَّ الصَّالحينَ أُلحِقَ بهم في المكانِ، لكنَّه ليس مِثلَهم في الكرامةِ مِن كلِّ وجهٍ. وعلى العبدِ ألَّا يغتَرَّ بحُبِّ الصَّالحين، ويركَنَ إلى ذلك دون أن يجتَهِدَ في اتِّباعِ آثارِهم؛ فإنَّه لن يكونَ صادِقًا في حُبِّه حتى يتَّبِعَ آثارَهم، ويأخُذَ بهَدْيِهم، ويقتَدِيَ بسُنَّتِهم، حريصًا أن يكونَ منهم، ويَسلُكَ سَبيلَهم، ويأخُذَ طَريقَتَهم، وإن كان مُقَصِّرًا في العَمَلِ. وفي الحَديثِ: أنَّ تَعلُّقَ قُلوبِ الأشخاصِ بعضِها ببَعضٍ في الدُّنيا يكونُ سَببًا في جَمْعِهم معًا في الآخِرَةِ؛ فلْيَخترِ المسلمُ لنَفْسِه مَن أحبَّ أنْ يُحشَرَ معه.