ما قولكم في أخذ المكس ونحوه على شخص نفسه هل يمنع الاستطاعة للحج كما جرت به عادة أهل جدة ومكة المشرفة في أخذهم ذلك من أهل بلداننا عمان وغيرها أم لا؟ وإذا قلتم بأنه مانع للاستطاعة؛ فهل يجوز لأقارب الهالك الإحجاج عنه من رأس ماله من ماله من غير رضى الورثة أم لا؟ الجواب: من شروط وجوب الحج الاستطاعة كما نص عليها الكتاب العزيز والسنة النبوية وإجماع المسلمين؛ فمن لم يستطع لا يجب عليه النسك، ومن لم يجب عليه لا يجب عليه الإحجاج أو الاعتمار عنه على أحد من وصيه أو ورثته، ويجوز ذلك عنه من وارث، أو أجنبي ولو بغير إذن الوارث تبرعًا، ولا يجوز من ماله، لا من الثلث، ولا من رأس المال بغير إذن جميع الورثة؛ بشرط كونهم مطلقي التصرف. ومن شرط الاستطاعة ظن الأمن اللائق بالسفر لا الحضر على نفسه، وما يحتاج لاستصحابه لا على ما معه من الزائد على ما يحتاجه في طريقه إن أمن عليه في بلده. قال في «التحفة»: (ولو اختَصَّ الخوفُ به.. لم يَستَقِرَّ فِي ذمَّتِه كما بَيَّنتُهُ فِي الحاشية). انتهى. فإذا خافوا من رصدي يرقبهم في الطريق والقرى لأخذ شيء منهم ظلمًا.. لا يلزمهم الحج، قال أئمتنا رحمهم الله تعالى: (وإن قل المال)، وفي «المغني» للخطيب رحمه الله تعالى في مبحث الاستطاعة: (ولو يسيرًا) وكذا في شرحه على «التنبيه»، وفي موضع آخر من «المغني»: أن نحو الدرهمين والثلاثة.. لا يتحلل من أجله. انتهى. وكأنه يفرق بين ما قبل الإحرام؛ فيمنع الوجوب وإن قل، وبين ما بعده؛ فلا يتحلل من أجله، أو أنه أراد باليسير ما فوق نحو الدرهمين والثلاث، فتكون القلة نسبية، وليحمل المطلق في كلامه على المقيد. قال العلامة العناني في «حاشية شرح التحرير»: (وعليه فيطلب الفرق بين وبين ما في التيمم من أنه لو وجد الماء يباع بأزيد من ثمن مثله.. لا يلزمه بذل الزيادة وإن كانت يسيرة جدًا كفلس؛ بأن للوضوء بدلًا وهو التيمم، ولا كذلك الحج؛ لضيق فيه من هذه الجهة، وبأن موضع الحج المال؛ لأنه مُركب من بدنٍ ومالٍ، ولا كذلك الوضوء؛ فإنه عبادة بدنية فقط، فلا يشق فيه بذل الزائد إن قل، وبأن الحج ليس مقدمة لغيره، ووسيلة إليه، بل هو أولى مستقل في نفسه، والوضوء بخلاف ذلك؛ فروعي [جانبه] بالبذل دون الوضوء؛ لأنه أقوى من الوضوء وأعظم بسبب استقلاله، وبأن وجوب الوضوء يتكرر؛ فلو كلفناه ببذل الزيادة لاجتمع فيها ما قد لا يكلف بذله في غير الحج، ولا كذلك الحج؛ فإن وجوبه لا يتكرر بل يجب علينا في العمر مرة واحدة؛ فمثل هذه الزيادة في العمر في غاية الحقارة. انتهى كلام العناني. ويمكن أن يجاب عما أورده العناني من جهة الجمهور: بأن ما زاد من ثمن الماء يؤخذ في ضمن عقد صحيح بطيب نفس من كل البائع والمشتري، والرصدي يأخذ المال قهرًا ظلمًا يشق على النفوس وإن قل أضعاف ما يشق عليها من بذل الزائد عن ثمن المثل في شراء الماء بطيب نفس. وأيضًا: ففي إعطاء الرضي ما ذلك إعانة على معصية، ولا كذلك في شراء الماء، وهذا وإن لم أقف على من صرح به، لكنه ظاهر جدًا. وفي «شرح الإيضاح» لابن الجمَّال ما نصه: (وقيَّده -أي: وجوب دفع القليل بعض إخواننا رحمه الله تعالى بما إذا قدر عليها، وزادت على مؤنة ممونه، ولو بطريق العرض؛ كمضطر لها في ركبه مثلًا؛ لتعين دفعها إليه، وأن تكون قلتها بالنسبة إلى الشخص الدافع، فلو كان شديد الفقر بحيث لا يملك غيره، أو تقع موقعًا من مملوكه؛ بأن تكون نصفه، أو ربعه.. فالظاهر عدم الوجوب، وجواز التحلل؛ لأن مشقة ذلك عنده كمشقة الكثير عند غيره من المكثرين بل أشق، سيما إن كان شحيحًا، وأنت قد علمت أن منقول المذهب: عدم ذلك القيد، وتعليلهم بقولهم؛ إذ لا يجب احتمال الظلم في أداء النسك صريح فيه أيضًا، وفي أصل «الروضة» ما نصه: (فإن احتاجوا إلى مال يسير؛ فإن كان المانعون مسلمين.. فلهم التحلل، ولا يلزمهم القتال، وإن كانوا كفارًا؛ فقد حكم الغزالي بوجوبه إذا لم يزد عدد الكفار على الضعف)، إلى أن قال: وأنت إذا فحصت عن كتب الأكثرين وجدتهم يقولون لا يجب القتال، وإن كان العدو كفارًا. انتهى. والحاصل: أن الذي يقتضيه صنيعهم أن كل مانع وجوب أداء النسك.. مُجوّز للخروج منه. والله أعلم. انتهى كلام «شرح الإيضاح» لابن الجمَّال بحروفه.