View in Telegram
تأصيل مختصر في عارض الجهل: الجهل قد يكون جهلا بالحكم، وقد يكون جهلا بالسبب الموجب للحكم، والجهل بالحكم لا يستلزم الجهل بالسبب كما لا يستلزم الجهل بالسبب الجهلَ بالحكم. لا تلازم بين الأمرين؛ لأنّ العبد قد يجهل تحريم الميتة مع العلم بكون اللحم غير مذكّى، وقد يعلم تحريم الميتة ولا يعلم أن اللحم الذي تناوله لحم ميتةٍ. والكلام في العذر بالجهل يراد منه الجهل بحكم الوصف أو السبب. وأما الجهل بالسبب فهو من انتفاء القصد أو من الخطأ في القصد كما قال تعالى: ﴿ولكن من شرح بالكفر صدراً﴾ ﴿وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت به قلوبكم﴾. وتحرّر أن انتفاء القصد يغيّر من حقيقة الشيء فينتفي حكم تلك الحقيقة من ذاك المحلّ ضرورةَ انتفاء الحقيقة؛ لأن القصد شرط في انعقاد السبب وقيامه بالشخص؛ فإذا انتفى القصد في مقامٍ؛ فالسببية الشرعية منتفية، وانتفاء السببية يستلزم انتفاء حكم السبب؛ إذ شرط السبب شرطٌ لحكمه بخلاف شرط الحكم فإنّه ليس شرطاً للسببية والعليّة. وتحرّر: أنّ الجهل بالحكم مخالف لبقية الأعذار الراجعة إلى انتفاء القصد كالإكراه والخطأ، فالجهل لا يغيّر من حقيقة العمل، بل الجاهل كالعالم في مباشرة الفعل وتحقق القصد والإرادة؛ لأنّ الجاهل يأتي بالفعل اختياراً مع الإدراك لحقيقته، فهو كالعالم سواء بسواء. فلو كان العمل عبادةً لغير الله؛ فإنه يقوم في قلب الجاهل حقائق العبودية لغير الله؛ فيؤلّه المعبود ويقصده بالعبادة، ويقوم في نفسه كلّ مقامات العبودية من محبّة وتذلّل وخضوع واستسلام وخوفٍ وتعظيم وتضرّع واستكانةٍ. أما بقية الأعذار الراجعة إلى انتفاء القصد كالإكراه والخطأ والنسيان فإنها تمنع قيام هذه المعاني العبودية بقلب المكرَه والمخطئ والناسي؛ لأنّ الإكراه وما في معناه يمنع تحقق هذه الأحوال والمعاني في قلوب هؤلاء؛ فلا ينعقد الوصف ولا تتحقق السببية الشرعية، وإذا انتفت السببية في محلٍّ فلا بدّ من انتفاء أحكامها كاشتقاق اسم الفاعل الحقيقي؛ لأن المشتقّ لا ينفكّ من وجود المشتقّ منه، فإذا انتفى المشتق منه فلا بدّ من انتفاء المشتق، وكذلك ينتفي التأثيم والعقاب لانعدام الوصف، لكن تلك الأحوال العبودية لغير الله كلّها متحققة في قلب الجاهل فيثبت في حقه الوصف الشرعيّ واسمه حتى في الفرعيات؛ فإنّ من شرب الخمر أو زنى يقال له: زانٍ وشارب خمر لوجود الفاحشة عن تعمد وقصدٍ؛ وبوجود ذلك يتحقق وجود الوصف وتتم السببية الشرعية وإن كان قد لا يعاقب بجهل الحكم في بعض المسائل. وقس على هذا أعظمَ الذنوب على الإطلاق وهو الشرك الذي يقع من الجاهل وإن كان القيّاس يستغرب هذا التصوير من جهة أنه قياس أغلظ على أخف! لكن المقصود تقريب القضية للأفهام.
Love Center - Dating, Friends & Matches, NY, LA, Dubai, Global
Love Center - Dating, Friends & Matches, NY, LA, Dubai, Global
Find friends or serious relationships easily