اللهمَّ إني عبدُك، وابنُ عبدِك، وابنُ أَمَتِك، ناصيتي بيدِك، ماضٍ فيَّ حكمُك، عدلٌ فيَّ قضاؤُك، أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك سميتَ به نفسَك، أو علَّمتَه أحدًا من خلقِك، أو أنزلتَه في كتابِك، أو استأثرتَ به في علمِ الغيبِ عندَك، أن تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلبي، ونورَ صدري، وجلاءَ حزني، وذَهابَ همِّي، إلا أذهبَ اللهُ همَّهُ وحزنَه، و أبدلَه مكانَه فرجًا».
«مررت بمالك بن أنس، فإذا أنا به قائم يصلي، فلما فرغ من الحمد لله، ابتدأ "ألهاكم التكاثر"، حتى بلغ: "ثم لتسألنّ يومئذٍ عن النعيم"، فبكى بكاء طويلا، وجعل يرددها ويبكي، وشغلني ما سمعت منه ورأيت منه عن حاجتي التي خرجت إليها، فلم أزل قائما وهو يرددها ويبكي حتى طلع الفجر، فلما تبين له ركع فصرتُ إلى منزلي، فتوضّأت ثم أتيت المسجد، فإذا به في مجلسه والناس حوله، فلما أصبح نظرت فإذا أنا بوجهه قد علاه نور حسن».
«أنا لا أقولُ إلا ما أعتَقِدُ، ولا أعتقِد إلَّا ما أَسمعُ صَداهُ من جوانِب نفسي، فرُبَّما خالَفتُ النَّاسَ في أشياءَ يعلمون منها غيرَ ما أعلم، ومعذرتي إليهم في ذلكَ أن الحقَّ أَولى بالمُجامَلَةِ منهم، وأنَّ في رأسي عقلًا أُجِلُّهُ عن أن أنزِلَ بِه إلى أن يكونَ سَيْقَةً للعقول، وريشَةً في مَهابِّ الأغراضِ والأهواء!»
فأقدَمتُ إقدامَ الشّباب الجريءِ على قِراءةِ كُلِّ ما يقعُ تحت يَدي مِن كُتبِ أسلافِنا: مِن تفسيرٍ لكِتابِ الله، إلى علومِ القُرآنِ على اختلافِها، إلى دَواوِينِ حديثِ رسولِ اللهِ ﷺ وشُروحِها، إلى ما تَفَرَّعَ عليه مِن كُتبِ مُصطَلَحِ الحديثِ، وكُتبِ الرّجالِ، والجَرحِ والتّعديل، إلى كُتبِ الفُقَهاءِ في الفِقه، إلى كُتبِ أُصولِ الفِقهِ وأُصولِ الدّين، وكُتبِ المِلَلِ والنِّحَل، ثمَّ كُتبِ الأدبِ وكُتبِ البلاغة، وكُتبِ النَّحوِ وكُتبِ اللُّغَة، وكُتبِ التّاريخ، وما شِئتَ بعد ذلك من أبوابِ العِلم، وعَمَدتُّ في رِحلَتي هذه إلى الأقدَمِ فالأقدم.