هذه القناة تنقل معاناة النازحين في غزة وأوضاعهم الكارثية التي يعيشونها..قناة أدبية، نتمنى أن يجوب صدى صوتنا كل الأرجاء.
لمن أراد التواصل بشكلٍ مباشر.
@Ameer_elijla
هذا رابط حسابي انستقرام.
https://www.instagram.com/a.j.ijla?igsh=MTZ
مُنذُ بدايةِ الحَـرب وهُم يساعدوننا على التأقلم مع المأساة دون أن يحاولوا انهاءها..أرسلوا لنا الخيام حتى نعتاد عيشة الطُرقات والشوارع بعيدًا عن بيوتنا والأماكن التي نزحنا منها. أرسلوا لنا الأكفان ولم يوقفوا الموت، وبعثوا الضمادات ولم يوقفوا النزيف..أرسلوا لنا الطعام ولم يقتلوا المجاعة، أرسلوا لنا الأضواء البديلة التي لم نرى منها شيء ولم يُحاولوا حل مشكلة الكهرباء. نحن الشعب الذي أقسم الجميع على فنائه..وبدمه وجراحه وجوعه وموتهِ ونزفهِ أقسم على الجميع بالبقاء.
ها أنا أشتم رائحة الدجاج والحَمَامَ المحشي من شوارع مصر، وتخترق حلقي رائحة المنسفِ من شوارع الأردن، وأرى الخِراف المشوية المحشية في شوارع قطر والبحرين والإمارات، وتذيب قلبي وتعتصره رائحة الكبسة السعودية..تختلط روائح الأطعمة العربية في أنفي ولا أشَتَم إلا رائحة اللحم البشري المشوي في شوارع غزة، ويقرصنا الجوع على الأطْبَاقِ الفارغة.
في سورة الكهف، لم يكن خرق السفينة ولا قتل الغلام ولا بناء الجدار إلا حفظ للنفس والممتلكات والمال. فأما قتلنا وأما قصفنا وأما تشريدنا..يا رب صبرًا على ما لم نُحِط بهِ خُبرا.
دخول بيت الخلاء في الخيامِ مُحرجٌ جِدًا، وإن كثيرًا من الناس قد تسبب الخجل لهم بالكثير من الأمراض الباطنية بسبب حَصْرِ أنفسهم أو كتم وحشر ذاتهم حتى لا يُحرجوا.. وسُمي بيت الراحة لأجل أن ترتاح فيه لا أن تتعب، فتخيل أن يكون دخول بيت الراحة مُتعبٌ!؟، وأنه إذا ما دخل أحد إليه تماسك وتمالك نفسه من أجل ألا يخرج صوتّ ما يُحرجه ويُضحِك من حوله..ربما ينتقد أحد هذا الحديث، لكن هذه مشكلة يعاني منها كل أهل الخيام تندرج تحت بند الخصوصية وقد تسببت في كثيرٍ من الأمراض..إن أبسط أمور حياتنا قد غدت عقدة تلازمنا ومأساة نُعاقب بها.
في المُخيَّمات، بين أزِقَّة الخيام الضيِّقة جدًا، التي بالكاد تتسع لمرور شخصٍ واحدٍ فقط، تشعر وكأنك في داخل خيام الناس عن يمينك وعن يسارك كُلما مررت، تسمع حديثهم بشكلٍ واضحٍ وجَلِيْ، تشتم رائحة طعامهم، حتى الهمسات تسمعها. إن أنبل شيءٍ فقدناه في هذه الحــرب هو الخصوصية، فلا تكاد تجد شخص إلا ويتمنى أن يجلس مع نفسه أو مع أهله جلسةً يتحدث فيها براحته دون أن يكتم أنفاسه خوفًا من أن يسمعه أحد.
لا أسرار، الناس هنا طيبين، لن يتحدثوا بمشروع النــووي ولا بمفاعلاته، لن يتحدثوا بأمورٍ خطيرة، جُل الحديث يدور حول ( شو طبختي!؟، شو راح تطبخي!؟، فش طحين..والله الواحد مش عارف شو يعمل ويطعمي هالأولاد..الخ الخ..)، أحاديثٌ عادية جدًا لكن يتمنى المرء أن يتحدث بها مع أهله دون أن يسمعه كل النازحين حوله..سمعت رجل يقول ذات مرة؛ الواحد صار نفسه يصرخ زي كأنه في بيته، تخيل ما هي أمنياتنا!؟..الخصوصية نعمة كبيرة لن يدرك قدرها إلا من يعيش حياته على الملأ.
فلسطين لم تسقط في حرب ذات بداية ونهاية كالحروب التي نعرفها. الحروب الكبيرة والحروب الصغيرة تبدأ ثم تنتهي. من حرب طروادة إلى فيتنام إلى الحرب العالمية الثانية إلخ، وبوضوح يليق بالعقل البشري تعرف أنك خسرت، أو تعرف أنك انتصرت، قُم تَفكّر في الخطوة التالية وينتهي الأمر. لم تأتِ بوارج الجيوش اليهودية وتدكّ هذا السور وتقتحمه على أهل عكا. ها هو في مكانه منذ كان وكما كان. لم تقم قوة بمحاصرة جيش فلسطيني ليرفع لها الرايات البيضاء وينتهي الأمر برابح نهائي وخاسر نهائي. أقول فلسطين ضاعت نُعاساً، وغفلةً واحتيالاً. في كل يقظة حاولناها، وجدنا موتنا ورحيلنا الموحش إلى المنافي والمنابذ والأخطاء. نعم الأخطاء. (ونحن لا نزال نخطئ حتى الآن). كل هذا تم ببطء يبعث على الرهبة. كيف تنعس أمة بأكملها؟ كيف غفلنا إلى ذلك الحد بحيث أصبح وطننا وطنهم؟.
من عادات أهل غزة انه يوم الجمعة لازم يكون الغدا وجبة دسمة..يعني لحمة، دجاج، وهيك شغلات. من فترة ما في ولا نوع لحوم في السوق بالمرة، يعني جمعة بناكل فاصوليا، جمعة بناكل عدس..كنت واقف مع صديق الي بيشكي من طفله..بقولي ابنه بقول في لحمة في السوق وبابا مش راضي يشتريلنا، بقلي والله لفيت السوق كله ما لقيت شي..اليوم طفل بقول لأبوه بكرا الجمعة لازم تشتريلنا لحمة، قله ما فيه يبابا في السوق..قله دبر حالك. الفكرة انه أطفالنا كانوا معززين مكرمين، مأساة والله لما ما تلاقي ولا تعرف شو تطعميهم..وبالمناسبة اشتقنا للحمة.
خسرنا كُل شيءٍ من مالٍ وبيوتٍ وأملاك، صبرنا صبر لا تحتمله الجبال وما سخطنا وما زلنا صابرين، احتملنا ظُلم العـدو والقريب والغريب، تجرعنا فُجر التجار وكُرهم فينا وعدم خوفهم من الله في هذا الشعب، عشنا وجع النزوح وقهر الخيام وإذلال الطوابير..تجرعنا قساوة وضنك العيش، جعنا وعطشنا وخفنا..أنا كمواطنٍ قد استنفذ كُل أدوات صمودهِ، ماذا عليَّ أن أفعل!؟، لنفترض أن ما لا يُحقق بالصبر يُحقق بمزيدٍ من الصبر..كيف أصبر على غلاء الأسعار وافلاسي!؟، كيف أصبر على شُح الأطعمة وجوعي!؟، كيف أصبر على برد الشتاء ورجفة جسدي؟!..أؤمن بعدالة الله أنه سيعوضنا في الآخرة، لكن هل نرى نزاهة البشر في هذه الدُنيا لنتحسس عِوض الله قبل أن نذهب إليه!؟.
مشاهد النزوح قاتلة، تشعر وكأن قلبك ينخلع من مكانهِ..أبكاني منظر المُسنة وهي جالسة على الأرض غير قادرةٍ على المسير أمام الدبابة..غزة تشبه هذه الأم تمامًا، غير قادرة على الإكمال، كل شيءٍ تكالب عليها، كلنا نشبه هذه الأم، التعب قتلنا والنزوح هدَّ أرواحنا.
كنت واقف على بسطة قاعد بشتري، اجا شاب طويل وعريض، لو مال على الحيط بهدها، بيقول للراجل لو سمحت ممكن آخد هادي أحطها عالطبيخ!؟. إلا أنا بنظر شو بدو ياخد، والله شرحة بَصَلة لا تملأ فم طفل. يا الله لوين وصلنا، وين وصلتنا الحياة، اللهم لطفًا بحالنا يا رب، أطفئ نار هذه الحـرب.