يحدّثونك عن القوة الاقتصادية لبلاد الكفر، ولكن لا يحدّثونك عن كون هذه الاقتصادات -بلا استثناء- قائمة على الربا، والمكوس، والسياحة المحرمة، وبيع كثير من المحرمات، والدعارة، وقائمة طويلة من كل خبيث لا يرضاه الله ورسوله ﷺ!
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: «إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة».
وقال لي مرة: «ما يصنع أعدائى بي؟!، أنا جنتي وبستاني في صدري، أين رحت فهي معي لا تفارقني، أنا حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة».
وكان يقول في محبسه بالقلعة: «لو بذلت لهم ملء هذه القلعة ذهبًا ما عدل عندي شكر هذه النعمة»، أو قال: «ما جزيتهم على ما تسببوا لي فيه من الخير»، ونحو هذا.
وكان يقول في سجوده وهو محبوس: «اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» ما شاء الله.
وقال لي مرة: «المحبوس من حبس قلبه عن ربه تعالى، والمأسور من أسره هواه».
ولما أدخل إلى القلعة وصار داخل سورها نظر إليه وقال: ﴿فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب﴾ [الحديد: ١٣].
وعلم الله ما رأيت أحدًا أطيب عيشًا منه قط، مع ما كان فيه من ضيق العيش، وخلاف الرفاهية والنعيم، بل ضدها، ومع ما كان فيه من الحبس والتهديد والإرجاف، وهو مع ذلك من أطيب الناس عيشًا، وأشرحهم صدرًا، وأقواهم قلبًا، وأسرهم نفسًا، تلوح نضرة النعيم على وجهه.
وكنا إذا اشتد بنا الخوف، وساءت منا الظنون، وضاقت بنا الأرض = أتيناه، فما هو إلا أن نراه، ونسمع كلامه، فيذهب ذلك كله، وينقلب انشراحًا وقوةً ويقينًا وطمأنينةً.
فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه، وفتح لهم أبوابها في دار العمل، فأتاهم من روحها ونسيمها وطيبها ما استفرغ قواهم لطلبها، والمسابقة إليها.
التوسل والتضرع والتذلل والطلب من القويّ المتين، من بيده ملكوت السماوات والأرض، المحيي المميت، القادر على كل شيء، والذي قدّر كل ما جرى ويجري وسيجري، والذي أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون = لا فائدة منه، وأنه أمرنا بما لا ينفع، وهو القائل جل جلاله: أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء!
لولا أنني متيقن أنك وأمثالك سفهاء جهال لحكمت عليكم بالردة، وإلا فهذا القول كفر يا أغبياء!
أتفهم الحزن، والشعور بالعجز، والقهر من عدم المقدرة على فعل شيء مادي عدا المقاطعة، ولكن أن يصل بكم الأمر إلى التحقير من شأن أحب العبادات إلى الله جل وعلا؟! فلا بارك الله في حزنكم!
ينتظرون النصر من الله، وهم يقطعون الرجاء من دعاء من ينتظرون نصره!
من الأشياء اللي بتخفف وطأة الحُزن عن القلب وقت البلاء ما حدَّثنا به شيخُنا أحمد السيد: « هذه الدُنيا لابُد أنْ ترىٰ فيها ما تكره، وإلَّا ما كانت دُنيا! »
يا رَب، نسألُك ألا نَضِلُّ وأنت حسبُنا، ولا نأسىٰ وفيكَ عَزاؤُنا.. أفرِغ علينا صبرًا، وثبِّت أقدامنا، وارزقنا حُسنَ الخِتام ونعيمَ الجِنان.