إجابتك في يقينك
فكل الدعاء مُجاب، وليس كل الإجابة من لفظ الدعاء، إنَّما هو الإيمان الذي يُرينا الجذور. وإنِّي -بالله- لأتيقن أنَّ خير معاني الاستجابة هي الجذور، هي المغفرة والرفع درجات. وكي تبلغ تلك المعاني عليك أنْ تُخلص قلبك من قيود المعاني المادية التي تتلاحم مع التحقق العيني، وتروح تطير في الأفق، لا تملك الجناحين، لكنك تطير لذاتٍ غير ذي الجناح.
هذه هي غايات عبادة الدّعاء الظاهرة، أمَّا عن غاية الدعاء الباطنة هي كما العبادات جميعها .. التَّقويم. فالعبادات لا هي العلاقة بين العبد وربه، إنَّما هي التقويم لتلك العلاقة بينه وبين ربه. وغاية التقويم للعبادات لا الحصول لكن الوصول، الوصول إلى خضراء عود اليقين الذي ينبثق من بين ثراها النديّ. فاليقين هو غاية العبادة؛ هو دليل بلوغك الشيء من العبادة، حينها التفويض في أمور الدنيا إلي خالق الدنيا فلا يأخذك قلبك للدعاء منها في شيء، بل تري قلبك يرنو لما هو أسمي فيستحيل الدعاء إلي لا إله إلا الله، لا إله إلا الله أفوضه، لا إله إلا الله، غريبٌ عن الدنيا معروفٌ في السَّماء، هو اليقين.
بلغت اليقين! أصبحت لا تجوع إلا ببطنك ولا تُفكِّر إلا بعقلك، تتمايل أمامك الدنيا راغبةً فلا يتحرك من قلبك إليها وازع، قد تيقنت أنَّ النَّفس قليلة الشَّأن قليلة الفطرة فلا سلامة لها إلا بالقليل، حينها تتكرر منك سيرة ابراهيم -عليه السَّلام- تارةً أخري؛ فلمَّا كانت نار اللَّهيب سلامًا عليه، فقلبك كذلك من نار الملذات والرغائب. كأن قد أحاط قلبك حجاب من نور السَّماء حال بين القلب وبين ما يعلق بالقلب من غبار الفكرة وظلامها. فذلك الفراغ من الدنيا الذي تقع عليه من نفسك إنَّما هو موضع النَّعمة الضرورية التي أضاعها من له الدنيا تقوده.
هو اليقين، سيرًا في ستار الله اتباعًا لشعاع النُّور الإلٰهي دون الالتفات لما واقع بين يديك من دعائك، رافعًا قلبك إلي السماء، وأعلم أنَّ مما تظن من الخير ما هو قاطع ليديك، ومما تتوجس من الشَّر ليديك مطهرًا. فالدُّعاء عبادة لها المعني؛ فغايتها الصغرى الظاهرة هي التحقق سواء عيني أو غيبي، أمَّا عن غايتها الكبرى هي اليقين، فلا تحزن من لفظ دعاء لم يتحقق، وتيقن أنَّه إذا أراد الله بعبده خيراً يعطيه أملًا من رحم اليأس، يذيقه مرارة الدنيا في كثيرٍ من عدم التحقق المادي، ليحفظ قلبه من أملٍ سام فيدرك حينها أنَّ الدنيا هي دار سفر وابتلاء، وما عند الله هو خير وأبقي، فيتبع بذلك الشعاع من نور اليقين، هذا هو مبلغ الخير ومنتهاه. وما يجدر بك إلا أن يزيدك الدعاء حبًا للخالق. فبالاستجابة العينية يأتيك خير، وبالغيبية يأتيك خير؛ وبالوصول إلي اليقين تأتي الخير. الآن.. انظر من حولك بتمعن، وتعرف علي المعاني تلك من نفسك إلي الكون، ثم اصطفي منها ما يمهد لقلبك الطريق إلي اليقين.
يقينك بأن الله قريبٌ منك بحسن تدبيره، وإحاطةِ علمه بتفاصيل ما يعصف بك من ثقل الحياةكفيل بأن يجعل قلبك يحتضن معنى الطمأنينة وقت الشتات، ويوقد فيك مصباح الدُّعاء..
-عبد العزيز الشثري