وكان القاضي عبيدالله العنبري مزاحا ظريفا..
وهذا خبر لطيف في تأنيب من لم يعرف مآثر سلفه ويرويها
قال وكيع: حدثني أحمد بن أبي خيثمة، عن عبد الله بن عائشة؛ قال: حدثني رجل من بني ليث؛ قال: شهد عند عبيد الله بن الحسن رجل بشهادة، فكتب اسمه ولم يخله ليختبره، فجرى ذكر أبيات الأسود بن يعفر النهشلي:
ولقد علمت سوى الذي أنباتني ... أن السبيل سبيل ذي الأعواد
إن المنية والحتوف كلاهما ... يوفي المخارم يرقبان سوادي
لن يأخذا مني وفاء رهنية ... من دون نفسي طارفي وتلادي
فعصيت أصحاب الصبابة والصبا ... وأطعت عاذلتي ولان قيادي
ماذا أومل بعد آل محرق ... تركوا منازلهم وبعد إياد
أهل الخورنق والسَّدير وبارق ... والقصر ذي الشرفات من سنداد
الأبيات..
فقال: النهشلي: ومن يقول هذا الشعر؟
فقال عبيد الله بن الحسن: الأسود بن يعفر.
قال: ومن الأسود بن يعفر؟!
قال: رجل من قومك، له مثل هذا النبه، وهذه الحكمة، لا تعرفه!
يا حكم؛ خله حتى أسأل عنه؛ فأني أراه ضعيفا».
«أخبار القضاة» ١١٠/٢.
وقال المبرد: «وكان عبيد الله أحد الأدباء الفقهاء الصلحاء.
وزعم ابن عائشة قال: عتبت عليه مرة في شيء، قال: فلقيني يدخل من باب المسجد -يريد مجلس الحكم- وأخرج، فقلت معرِّضا به:
طمعت بليلى أن تريع وإنما ... تقطع أعناق الرجال المطامع.
فأنشدني معرضا تاركا لما قصدت له:
وباينت ليلى في خلاء ولم يكن ... شهود على ليلى عدول مقانع.
وكان ابن عائشة يتحدث عنه حديثا عجيبا، ثم عرف مخرج ذلك الحديث.
وذكر ابن عائشة، وحدثني عنه جماعة لا أحصيهم كثرة: أن عبيد الله بن الحسن شهد عنده رجل من بني نهشل على أمر -أحسبه دَينا- فقال له: أتروي قول الأسود بن يعفر:
نام الخلي فما أحسن رقادي؟
فقال له الرجل: لا!
فرد شهادته، وقال: لو كان في هذا خير لروى شرف أهله».
«الكامل» ٨٢/٢.
وذكر الخبر بنحوه أبو الفرج في «الأغاني» ١٦/١٣ من طريق الأصمعي وأبي عبيدة، وذكر أن القاضي سوار بن عبدالله العنبري.