محبة النساء والرغبة فيهن من علائم الرجولة، أمّا النظر إليهن وتعدي حدود الله في ذلك، فمن علامات السُّفول والدناءة. فالأولى فطرة فُطر عليها الرجل، والثانية خسيسة لا يرتكبها إلّا ضئيل النّفس.
ومن عظمت نفسه أبى أن يأخذ شيئًا إلّا بحقه، وحق النظرة هو إرادة الزواج بمن تريد النظر إليها.
الرفق أساس التأثير وهو في أمور الدين والنصيحة أدعى من غيره.. إذا لم يُحمل الرفق علىٰ عاتق اللسان فإن عدم قبول النصيحة ليس كراهية في الحقّ بل لفطرةٍ في النفس تمنعُ القبول.
قال رسول الله ﷺ: "يا عائشة، ارفقي؛ فإن الرفق لم يكن في شيءٍ قط إلّا زانه، ولا نزع من شيءٍ قط إلّاشانه".
قام اخواننا في غزّة بما يجب عليهم شرعًا من جهاد الدفع وطرد الاحتلال عن بلدهم ومقدساتهم، ولكن الخذلان العظيم لهم أدّى إلى ما عاشوه طوال عامٍ كامل وأكثر، والله المستعان.
ذكر الصفدي في الوافي"أن شيخ الإسلام ابن تيميّة -رحمه الله-، كان إذا رآه قال له: "أيش حِسّ الإيرادات؟ أيش حِسّ الأجوبة؟ أيش حِسّ الشكوك؟، أنا أعلم أنك مثل القِدْر التي تغلي تقول: بق بق بق، أعلاها أسفلها وأسفلها أعلاها، لازمني تنتفع".
ثم قال الصفدي: وكنتُ أحضر دروسه ويقع لي في أثناء كلامه فوائد لم أسمعها من غيره ولا وقفت عليها في كتاب رحمه الله تعالى، وعلى الجملة فما رأيتُ ولا أرى مِثله في اطلاعه وحافظته.
ما وُجد شيءٌ يحفظ إيمان المرء وسلامة دينه في زمن الفتن وانتكاس الفِطر خير من ملازمة قراءة تفاسير القرآن فهمًا دقيقًا وتبصرة، والاعتكاف علىٰ دراسة المذاهب الفقهيّة الأربعة من شروح متونها، وبذا يعبد الله علىٰ بصيرة، ويستبرئ لدينه وعِرضه وعقيدته من الوقوع في مستنقع الجهل، والانحراف إلى جادّة الإلحاد والشرك والعلمنة فيهوي به جهله في مكانٍ سحيق.
من علامات النُّضج التَّام أن تمضي حياتك مجتهدًا لتحقيق الغاية التي من أجلها خُلقت وهي عبادة الله عزّ وجل، غير ملتفت لما يحدث حولك، ولا مكترث بما يقال عنك، للنّاس حال ولك حال.
لكُل فعلٍ ردُّ فعلٍ؛ والجهلُ فعلٌ ملازمٌ يردُّه العلمُ بهمّةٍ باذخةٍ، كما ردّه العلماءُ النُّجباءُ، وعلى قدرِ هِمّة طالبِ العلمِ يدفعُ جهلَه، وكفى بالجهلِ أن يكون المستفزُّ لدفعِه، فمن ذا الذي يرضى أن يكون بين الأنامِ من جهالةِ الجُهلاء!
ومن رزقه اللهُ همّةً سامقَةً لا يصاحبُ إلا مثلَه وإلا عادَ عليه الضّررُ، ثمّ يسعى لرفعِ هِمَمَ مَن حولِه فإن ظفر وانتصرَ لازمَه وقاسمَه من هِمتِه حتى تربوَ فيه وبينهما دون دنوِّ، فإن لم يجد كان اللهُ في عونِه، فعليه باعتزال القوم ولا يرافقُهم أو يكثرُ الاختلاطُ بهم.
قال الإمام المبجّل أحمد بن حنبل رحمه الله وطيّب ثراه: "من ادّعى الإجماع فهو كاذب، لعلّ الناس اختلفوا، وما يدريه ولم ينتَه إليه؟"
لا يفهم من كلام الإمام رحمه الله، أنّه ممّن ينكر الإجماع وحجيّته، فقد روي عنه -وهو المشهور- تصريحه بالإجماع في كثير من المواطن منها:
قال عبدالله ابن الإمام أحمد، في مسائله التي رواها عن أبيه (قلت لأبي: إذا لم يكن عن النبي في ذلك شيء مشروع يخبر فيه عن خصوص أو عموم؟ قال أبي: ينظر ما عمل به الصحابة، فيكون ذلك معنى الآية، فإن اختلفوا: ينظر أي القولين أشبه بقول رسول الله ﷺ، يكون العمل عليه). انتهى. وهذا إسنادٌ صحيح بفضل الله تعالى، وهو صريح في أن الإمام أحمد قطع وجزم بأن ما بلغنا من عمل الصحابة يكون هو معنى الآية، ولا يجوز الخروج عمّا بلغنا من عملهم، ويتعيّن تفسير الآية به والعمل بما يترتب علىٰ ذلك من أحكام شرعيّة.
وهذا القاضي أبو يعلى الفراء: وهو إمام الحنابلة في عصره، وكان عالم عصره في الأصول والفروع، قال في كتابه "العدة في أصول الفقه": الإجماع حجة مقطوع عليه، يجب المصير إليه، وتحرم مخالفته. وجاء في مسائل داود عن الإمام أحمد: سمعت أحمد قيل له: إن فلانًا قال: قراءة فاتحة الكتاب مخصوص من قوله: إذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا فقال: عمن يقول هذا؟ أجمع الناس أن هذه الآية في الصلاة.
وقال الإمام ابن تيميّة: (فإنه –أي الإمام أحمد- قال في القراءة خلف الإمام: أدعي الإجماع في نزول الآية، وفي عدم الوجوب في صلاة الجهر). انتهى قلت: وهذا إسناد صحيح بفضل الله تعالى، وهو صريح في أن الإمام أحمد يحتج بالإجماع، وينكر علىٰ من اخترع قولًا يخالف ما نقل عن الذين سبقوه.
ثم إن الإمام أحمد أراد بقوله نقض دعوة بشر المريسي والأصم، قال ابن رجب: وأما ما روى من قول الإمام: من ادعى الإجماع فقد كذب، فهو إنما قال إنكارًا علىٰ فقهاء المعتزلة الذي يدعون إجماع الناس علىٰ ما يقولونه، وكانوا أقلّ الناس معرفة بأقوال الصحابة والتابعين.
قلت: بل لم يحيطوا علمًا بأقوال أبي حنيفة وصحبه، فضلًا أن يعلموا مسألة نقلت عن الصحابة رضي الله عنهم، بل لم يكونوا أهلَ علم، يضربون كلام الله المحكم، ويتبعون المتشابه منه، وقدموا المعقول علىٰ المنقول حتى هلكوا وقطع الله دابرهم.
وقد يراد من كلام الإمام أحمد استبعاد هذا القول، لانفراد هؤلاء الرّهط بما عليه الناس، وهذا يدل علىٰ كذبهم، ولو كان قولهم مجمع عليه لشتهر وانتشر، ولكن ما زعموا به الإجماع لم يأتِ به أحد من قبل، إلا المريسي وثمامة والأصم، قال محمد بن الحسن البدخشي في شرحه علىٰ منهاح الوصول في علم الأصول: وأما قول أحمد: من ادعى الإجماع فهو كاذب: كأنه استبعد الإطلاع عليه ممن يدعيه دون أن يعلمه غيره.
ولا يأتي مبتدئ في الطلب يقول إن أحمد ينكر الإجماع ولا يحتج به، فهذا ممن رفع نفسه مكانًا عليًا وهو ما زال علىٰ سفح الجبل.
كُل لُعبةٍ تدفع فيها مالًا ولو قَلّ: لِتأخذَ فيها مالًا أو لا تأخذ مالًا ولو قلّ، فاللعب كله حرام لأنه داخل في القِمار. كثير من الناس يلعبون مثل هذه الألعاب المحرمة جهلًا.
فتنبيه الجاهل والغافل من الإحسان (والله يُحِبُّ المحسنين).
اللهمّ بارك في من يعمل علىٰ نشر عقيدة السّلف الصافية بشامنا بعدما تم اغتيالها لمدة ٥٠ عامًا.
يا أهل الشام أنتم في خير عظيم وفضل تغبطون عليه، وقد فضلكم الله وشرفكم؛ فأحسنوا النية لله واعلموا أنكم في عملٍ صالحٍ عظيم هو من أسباب حصول رضا الله والتّمكين للأمّة والرفعة في الدنيا والآخرة، فاصبروا علىٰ ما تكابدون من المشقة والمرابطة، فإن عِظم الجزاء من عِظم البلاء، ولا أعلم في هذا الوقت جهادًا تنطبق عليه نصوص الوحيين كجهادكم هذا.
من نِعم الله علىٰ أهل السُّنة في الشام أن جعل كتب السّلف الصالح متوفرة عندهم.
والعينُ لها البصر والقلوبُ لها البصائر؛ وغالِبُ بني آدم يتّفِقون فيما يرَونهُ بأبصارِهِم، إنّما ينشأُ الإختلافُ فيما يرَونَهُ ببصائرهم؛ ومن هُنا يعرِفُ العالِمُ الفِتنة فِتنةً فيما غيرَهُ يَظُنُّها مِنحَة.