السيرة النبوية زاخرة بالكثير من الصور والأمثلة الدالة على شدة تعظيم الصحابة رضوان الله عليهم لأمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، ومسارعتهم إلى السمع والطاعة، فكان لسان حالهم ومقالهم في العُسْر واليُسْر، والمنشط والمكره: (سمعنا وأطعنا)
ومن الأمثلة الدالة على ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
«لمَّا نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(البقرة:284)، قال: فاشتدَّ ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بَرَكوا على الرُكب، فقالوا: أي رسول الله، كُلِّفنا من الأعمال ما نطيق، الصلاة والجهاد والصدقة، وقد أُنْزِلَت عليك هذه الآية ولا نطيقها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابَيْن (اليهود والنصارى) من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ بل قولوا: سمعنا وأطعنا، غفرانك ربنا وإليك المصير. فلمَّا اقتَرأَها القومُ، ذلَّت (لانت) بِها ألسنتُهُم، فأنزل اللَّهُ في إثرِها: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}(البقرة:285)، فَلمَّا فعَلوا ذلِكَ نسخَها اللَّهُ تعالى، وأنزل اللَّهُ عزَّ وجلَّ: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} قال: نعَم، {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا}، قال: نعَم، {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} قال: نعم، {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}(البقرة: 286) قال: نعَم».
[رواه مسلم]