حقّ علينا الدعاء للثابتين في وجه الكيان المحتل، المقاومين له بعدما فقدوا كل شيء وأوذوا بكل شيء وصُبَّت عليهم الأهوال صبّاً، ثم هم فوق ذلك: يصبرون ويثبون ويدافعون عما بقي من الأرض والدين والعرض، مسطرين بذلك أسمى درجات الثبات والإيمان وأعجب صور البطولة والصمود، ولو أنهم طاوعوا العدو لزاد عليهم بغيا واستطالة وظلماً، ولسعى لتغيير الجذور التي أدت إلى نشوء حالات البطولة هذه، حتى يخرج من أبنائهم من يمجد المحتل أو يدافع عنه بعد أن أزيلت فكرة الجهاد والمقاومة من رؤوسهم (وهذه هي الهزيمة حقاً). فاللهم ثبت عبادك هؤلاء، وقوهم، واربط على قلوبهم، وسدّدهم، واصرف عنهم الشر، وعوضهم خيرا، وفرج كربتهم وكربة أهليهم.
كان ﷺ رقيق القلب، حَسنُ العشرة، يترفق بأصحابه، ولا يُهينُ أحدًا، مَنَ رَآهُ هَابَهُ، ومن عرفه أحبه يألفُ النَّاسِ وَيَألفونَهُ لا ينطق بفُحش ولا يَعيبُ على أحد، ليِّن الجانب، لا يردُ سائلًا وليس بفظ ولا غَليظ. صلَّى اللَّه عليهِ وسلَّم.
أحببتني في الله؟ إذا فأنت تنصحني متى زللت، نصحا رشيدا يهذبني من هزلي، وتشتد عليّ إذا لزم الأمر، شدة لا تظلمني بها ولا تنتصر لنفسك انتصارا يسخم قلبك. لا تتقبل مني إهانة، ولا تصمت عن ملامة مستحقة، جد ببوحك ولا تجعل من الأسقام بيننا تزداد. اغبطني غبطة المحب، ولا تحسدني حسد الحاقد، وادع الله لي ولك أن يسلل سخيمة قلوبنا وألا نحيد أو نضل. لا تقرني على معصية مخافة نُصحي، فإنك متى ارتعدت مخافتي أكثر من مخافة الله، فأنت لست بخليل يحبني فيه! كن معي يا صاحبي، ولا تكن علي.
السيرة النبوية زاخرة بالكثير من الصور والأمثلة الدالة على شدة تعظيم الصحابة رضوان الله عليهم لأمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، ومسارعتهم إلى السمع والطاعة، فكان لسان حالهم ومقالهم في العُسْر واليُسْر، والمنشط والمكره: (سمعنا وأطعنا) ومن الأمثلة الدالة على ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «لمَّا نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(البقرة:284)، قال: فاشتدَّ ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بَرَكوا على الرُكب، فقالوا: أي رسول الله، كُلِّفنا من الأعمال ما نطيق، الصلاة والجهاد والصدقة، وقد أُنْزِلَت عليك هذه الآية ولا نطيقها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابَيْن (اليهود والنصارى) من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ بل قولوا: سمعنا وأطعنا، غفرانك ربنا وإليك المصير. فلمَّا اقتَرأَها القومُ، ذلَّت (لانت) بِها ألسنتُهُم، فأنزل اللَّهُ في إثرِها: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}(البقرة:285)، فَلمَّا فعَلوا ذلِكَ نسخَها اللَّهُ تعالى، وأنزل اللَّهُ عزَّ وجلَّ: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} قال: نعَم، {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا}، قال: نعَم، {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} قال: نعم، {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}(البقرة: 286) قال: نعَم». [رواه مسلم]
الورد اليومي لو لم يكن أول اليوم، صعب الالتزام به آخر اليوم، ولا يؤمر به المؤمن لنيل الأجر، وضبط الحفظ فحسب؛ بل لأن فيه الهُدى والغِنى، والشِّفاء والزَّكاء.