هذا "الشيخ" فلان الذي يتكلم في كبرى مسائل الشريعة فقها أو اعتقادا، كمسائل التكفير والتبديع والتفسيق، والقتل والقتال، والنوازل المركبة السياسية أو الاقتصادية وغيرها، لا يخلو أن يكون إما عالمًا وإما ليس بعالم بل من الدعاة أو الوعاظ المذكّرين.
فإذا كان عالمًا، ففي أي علمٍ هو عالم؟ أفي الحديث وعلومه، أم في الفقه ومسائله، أم في أصول الفقه، أم في العقيدة والكلام، أم في التفسير؟ هل له في هذه العلوم دراسة ومشيخة وشهد له علماء محققون فيها، أم له فيها بحوث أو كتب أو دروس؟ أم عامة كلامه أشذاب من هذه العلوم في مسائل معدودة أو عموميات أو تعليقات على كتب عامة ليست من كتب مسائل العلم كفنٍّ وبحث، أو - وهذا أفضلهم طريقة - شروح ركيكة يعاني فيها شرح بعض كتب العلم التي للمبتدئين بتكلف؟
على أنه لو كان من العلماء بالمعنى الذي يجاوز ما ذكرناه من هذه الحال؛ لم يكفِ أن يتكلم في هذه المسائل، فإن رتبة ما ذُكر هي رتبة عوام العلماء والمدرسين، وليست رتبة الفقهاء المحققين المجتهدين، المطلقة أيديهم في علوم الشريعة كلًّا وجزءًا يتصرفون فيها بالاستنباط والتنزيل، مع ما تحتاجه النوازل من علم صحيح بالواقع، وبكثير من العلوم المعاصرة.
وإن لم يكن هذا "الشيخ" فلان عالمًا؛ كان من الوعاظ الدعاة، أو من المثقفين أو المفكرين بالتعبير الحديث، فكيف يسوغ له الكلام في هذه المسائل التي لا يقدم على الكلام فيها إلا أفراد المجتهدين وخواص العلماء، وليس عوام العلماء فضلا عن المبتدئين الوعاظ الذين ليسوا بعلماء أصلا!
إذا تصورتَ هذا التصور علمتَ أن عامة المتكلمين وكلامهم في هذه المسائل هو من الاجتراء، ومن الجهل الذي لا قيمة له في العلم، الذي لا يدل على قصور صاحبه العلمي فقط، بل وعلى أزمة أخلاقية وسلوكية عنده.