ثلاثة مواقف من السيرة ..
غضب النبي صلى الله عليه وسلم على من طلب منه الدعاء لرفع الكرب والبلاء في مكة وذكرهم بصبر السابقين ..
جاء في البخاري عن خباب بن الأرت أنّه قال:
شَكَوْنا إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً له في ظِلِّ الكَعْبَةِ فَقُلْنا: ألا تَسْتَنْصِرُ لنا ألا تَدْعُو لَنا؟ فقالَ: قدْ كانَ مَن قَبْلَكُمْ، يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فيُحْفَرُ له في الأرْضِ، فيُجْعَلُ فيها، فيُجاءُ بالمِنْشارِ فيُوضَعُ علَى رَأْسِهِ فيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، ويُمْشَطُ بأَمْشاطِ الحَدِيدِ، ما دُونَ لَحْمِهِ وعَظْمِهِ، فَما يَصُدُّهُ ذلكَ عن دِينِهِ، واللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هذا الأمْرُ، حتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِن صَنْعاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ، لا يَخافُ إلَّا اللَّهَ، والذِّئْبَ علَى غَنَمِهِ، ولَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ.
ولما تعرض آل ياسر إلى البلاء المفضي إلى القتل مرّ عليهم وصبرهم قائلاً: صبراً آل ياسر فإنّ موعدكم الجنة.
وفي موطن ثالث يأتيه أحد أصحابه مهاجراً إلى المدينة بعد التخلي عن ماله الذي جمعه طيلة عمره فتكون الإجابة: ربح البيع أبا يحيى.
لماذا اختلفت طرق التعامل مع هذه الوقائع وكيف ننتفع منها في واقعنا الدعوي؟!
الجواب:
في الموطن الأوّل كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع الجماعة المؤمنة التي ستقوم عليها رسالة الإسلام، فكان لابد من تربيتها على الصبر وعدم الجزع حتى تقدر على القيام بأعباء الدعوة وثقل الرسالة وليس معنى ذلك عدم الدعاء..
كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكرها بثبات السابقين كما كان القرآن يقص على الرسول صلى الله عليه وسلم ثبات الأنبياء .. فكما ثبت وصبر الأنبياء فالنبي صلى الله عليه وسلم أولى منهم بالثبات والصبر .. وكما ثبت أصحابهم وأتباعهم فأصحاب خير الأنبياء وأتباعه أولى بذلك منهم ..
أمّا في موقف آل ياسر فقد ثبتوا وصبروا حتى بلغ بهم البلاء إلى حد القتل فكان واجب الداعية الإعانة وتقوية العزم والتثبيت بالتذكير بالجنة ..
الفارق بين الموقفين أنّ الأوّل كان القصد منه التربية على التحمل أمّا الثاني فقد احتمل أصحابه البلاء حتى كاد يصل بهم إلى القتل..
أمّا الموطن الثالث:
فكان الجواب عجيباً وغريباً وعظيماً ..
من تخلى عن ماله واستقبل الحياة فقيراً معدماً، تبقى حسرة الفقد على السنوات والكد والتعب تراوده الفينة بعد الفينة إن كانت الإجابة بالتصبير والتعزية لأنّ التصبير مسكن للحزن لا قاضي عليه..
لكن لمّا كانت الإجابة بألفاظ التجارة الدالة على عظم الفوز.. فكلما تذكر صاحبها الأوقات والأعمال التي أنفقها في تحصيل الأموال التي ضحى بها قربة لله واستحق بها: ربح البيع .. فسيتمنى لو عاد به العمر حتى يكد ويكدح ويضحى بأعظم مما ضحى !تغيير العبارات أثر في طريقة تعامل النفس مع الحادثة ..
ففي التصبير تسكين للنفس الحزينة وفي الغبطة فرح صاحبها ودفع نفسه للتقدم والاستكثار من فعل الطاعات وتعظيم القربات..
صلى الله وسلم على معلم الإنسان سياسة الإنسان..